البلاغة الفصل الأول










مقـدمـة الفصاحة - البلاغة - الأُسلوب

الفَصاحة: الظهور والبيان، تَقُول: أفْصح الصُّبْحُ إِذا ظَهَر. والكلامُ الفصيحُ ما كان واضح المعنى، سهل اللفظِ، جيِّدٌ السَّبك. ولهذا وجب أن تكون كلُّ كلمة فيه جاريةً على القياس الصَّرفي (1)، بينةً في معناها، مفهومةً عَذْبةً سلِسة.
وإِنما تكونُ الكلمة كذلك إِذا كانت مأْلوفَةَ الاستعمال بَين النابهين من الكتاب والشعراء، لأنها لم تَتَداولها ألسِنتُهم، ولم تَجْرِ بها أقلامهم، إلا لمكانها من الحُسْن باستكمالها جميع ما تقدم من نُعوت الجوْدة وصِفات الجمال.
والذوقُ السليمُ هو العُمْدةُ في معرفةِ حُسن الكلمات وسَلاسَتِها، وتمييز ما فيها من وجوه البشاعة ومظاهر الاستكراه؛ لأن الأَلفاظَ أصواتٌ ، فالذي يطْرَبُ لصوْت البُلبُل، وينْفِر من أصوات البُوم والغِرْبان، ينْبُو سمعه عن الكلمة إذا كانت غريبةً مُتَنَافِرَةَ الحروف (2). ألا ترى أن كلمتَي "المُزْنة" و "الدِّيمة " للسحابة المُمْطِرة، كلتاهما سَهلَة عذْبَةٌ يسكن إليها السمع، بخلاف كلمة "البُعَاق" التي في معناهما؛ فإنها قبيحة تَصُك الآذان. وأمثال ذلك كثير في مُفْردات اللغة تستطيع أَن تُدْركه بذَوْقك.
* * *
(1) ويشترط في فصاحة التركيب فوْقَ جريان كلماته على القياس الصحيح وسهولتِها أن يسلمَ من ضَعفِ التأْليفِ، وهو خروج الكلام عن قواعد اللغة المطردة كرجوع الضمير على متأخر لفظاً ورتبة في قول سيدنا حَسانَ رضى الله عنه (3):
ولو أّنَّ مَجدًا أخْلَدَ الدهْر واحِدًا مِنَ النَّاسِ أبْقى مَجْدُهُ الدَّهْرَ مُطعِما (4)
فإن الضميرَ في "مَجده" راجع إلى "مُطعِما" وهو متأَخر في اللفظ كما ترى، وفي الرتبة لأَنه مفعول به، فالبيت غير فصيح.
(2) ويشترط أن يسلم التركيبَ من تنافر الكلمات، فلا يكونُ اتِّصالُ بعضها ببعض مما يُسبِّب ثِقَلَها على السمع، وصُعوبةَ أدائها باللسان، كقول الشاعر:
وقَبْرُ حربٍ بِمكان قَفْرُ ولَيْسَ قُرْب قبرِ حَرب قَبرُ (5)
قيلَ إن هذا البيتَ لا يَتَهيَّأُ لأحد أن يُنْشدَهُ ثلاثَ مرات متوالياتٍ دونَ أن يَتَتَعْتَعَ (6)، لأَن اجتماعَ كلماته وقُربَ مخارج حروفها، يحدِثانِ ثِقلاً ظاهرًا، مع أَن كل كلمة منه لو أُخذت وحدها كانت غير مُستكْرهةٍ ولا ثقيلة.
(3) ويجب أن يسلم التركيب من التَّعقيد اللفظي، وهو أن يكون الكلام خَفيَّ الدلالة على المعنى المراد بسبب تأْخير الكلمات أو تقديمها عن مواطنها الأصلية أو بالفصل بين الكلمات التي يجب أن تتجاورَ ويتَّصِلَ بعضها ببعض، فإِذا قلت: "ما قرأ إِلاَّ واحدًا محمدٌ مع كتاباً أَخيه"
كان هذا الكلام غبرَ فصيح لضعْفِ تأليفه، إذ أصله "ما قرأ محمدٌ مع أَخيه إلا كتاباً واحداً، فقُدِّمت الصفة على الموصوف، وفُصل بين المتلازمين، وهما أداةُ الاستثناء والمستثنى، والمضافُ والمضافُ إِليه. ويشبه ذلك قول أبى الطَّيب المتنبي (7):
أنِّي يَكونُ أبا البرِيَّةِ آدمٌ وَأبُوكَ والثَّقلاَنِ أنتَ مُحَمَّدُ؟ (8)
والوضع الصحيح أن يقول: كيف يكون آدم أبا البرية، وأبوك محمد، وأنت الثقلان؟ يعنى أَنَّه قد جَمعَ ما في الخليقة من الفضل والكمال، فقد فَصَل بين المبتدأ والخبر وهما "أبوك محمد"، وقدَّم الخبر على المبتدأ تقديماً قد يدعو إلى اللبس في قوله "والثقلان أنت"، على أنه بعد التعسف لم يسلم كلامُه من سُخف وهَذَر.
(4) ويجب أن يسلم التركيب من التعقيد المعنوى، وهو أن يَعمد المتكلم إلى التعبير عن معنى فيستعمل فيه كلماتٍ في غير معانيها الحقيقية، فيسئ اختيار الكلمات للمعنى الذي يُريده، فيضطرب التعبير ويلتبس الأَمر على السامع. مثال ذلك أن كلمة اللسان تُطلَق أَحياناً ويُراد بها اللغة، قال تعالى: {وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ رَسُولِ إِلا بلِسَان قَوْمِه} أي ناطقاً بلغة قومه، وهذا استعمال صحيح فصيح، فإذا استعمل إِنسانٌ هذه الكلمة في الجاسوس، وقال: "بثَّ الحاكم ألسنته في المدينة" كان مخطئاً، وكان في كلامه تعقيدٌ معنوى، ومن ذلك قول امرئ القيس (9) في وصْفِ فرَس:
وأَرْكَبُ في الرَّوْع خَيفانةً كَسا وجْهَهَا سَعف مُنتشر (10)
الخيْفانةُ في الأصل الجرادة، ويريد بها هنا الفرس الخفيفة، وهذا لا بأْس به وإِن كان تشبيه الفرس بالجرادة لا يخلو من ضعف، أما وصف هذه الفرس بأن شَعر ناصيتها طويلٌ كَسَعف النخل يُغطِّى وجهها، فغير مقبول؛ لأن المعروف عند العرب أن شعرَ الناصية إذا غَطَّى العينين لم تكن الفرس كريمة ولم تكن خفيفة. ومن التعقيد المعنوى قول أبي تمَّام (11):
جَذَبتُ نَداهُ غدوة السَّبتِ جذْبةً فخرَّ صريعاً بين أيدِى القصائد (12)
فإِنه ما سكتَ حتى جعل كرم ممدوحه يَخرُّ صريعاً وهذا من أقبح الكلام.
* * *
أَما البلاغةُ فهي تأْديةُ المعنى الجليل واضحاً بعبارة صحيحة فصيحة، لها في النفس أَثر خلاب، مع ملاءَمة كلِّ كلام للموطن الذي يُقالُ فيه، والأشخاص الذين يُخاطَبون.
فليست البلاغةُ قبلَ كل شيءٍ إلا فنًّا من الفنون يَعْتمِد على صفاء الاستعداد الفِطرى ودقة إدراك الجمال، وتبَين الفروق الخفية بين صنوف الأَساليب، وللمرانة يدٌ لا تُجحد في تكوين الذوق الفنِّى، وتنشيط المواهب الفاتِرة، ولا بد للطالب إلى جانب ذلك من قراءَة طرائف الأَدب، والتَّملؤ من نَميره الفياض، ونقدِ الآثار الأدبية والموازنة بينها، وأن يكون له من الثقة بنفسه ما يدفعه إلى الحكم بحسن ما يراه حسناً وبقبْح ما يَعُدُّه قبيحاً.
وليست هناك من فرق بين البليغ والرَّسام إِلا أنَّ هذا يتناول المسموع من الكلام، وذلك يُشاكل يين المرْئى من الألوان والأَشكال، أما في غير ذلك فهما سواء، فالرَّسام إِذا همَّ برسم صورة فكَّر في الألوان الملائمة لها، ثم في
تأْليف هذه الأَلوان بحيث تخْتَلِب الأَبصار وتُثير الوجدان، والبليغ إِذا أَراد أَن يُنْشىءَ قصيدة أَو مقالة أو خطبة فكر في أَجزائِها، ثم دعا إِليه من الأَلفاظ والأَساليب أَخفها على السمع، وأكثرها اتصالا بموضوعه. ثم أَقواها أثرًا في نفوس سامعيه وأروعَها جمالا.
فعناصر البلاغة إذًا لفظٌ ومعنًى وتأليفٌ للأَلفاظ يَمْنَحُها قُوة وتأْثيرًا وحُسْناً. ثم دقة في اختيار الكلمات والأََساليب على حسب مواطن الكلام ومواقعه وموضوعاته وحال السامعين والنَّزْعةِ النفسية التي تَتَملَّكهم وتُسَيْطِرُ على نفسوسهم، فَرُبَّ كلمة حسُنتْ في موطن ثم كانت نابية مُسْتكْرَهةً في غيره. وقديماً كرِه الأُدباء كلمة "أَيضاً" وعَدُّوها من أَلفاظ العلماء فلم تَجر بها أقلامهم في شعر أَو نثر حتى ظَهَرَ بينهم من قال:
1. رُبَّ ورْقَاءَ هَتُوفٍ في الضُّحا ذَاتِ شَجْوٍ صَدَحَتْ في فَنَنِ (13)
2. ذَكَرَتْ إلفاً ودهْرًا سَالِفاً فَبَكَتْ حُزناً فَهاجتْ حَزَني (14)
3. فَبكائي رُبَّما أرَّقها وبُكاها ربَّما أَرَّقَني (15)
4. ولَقدْ تَشْكو فَمَا أفْهمُها ولقدْ أشكو فَما تَفهمُني
5. غيْر أنِّي بالجوى أعْرِفُها وهْي "أَيضاً" بالجوَى تعْرفُني (16)
فوَضع "أيضاً" في مكان لا يتَطلب سواها ولا يتَقَبَّل غيرها، وكان لها من الرَّوْعة والحُسن في نفس الأديب ما يعْجِزُ عنها البيان.
ورُبَّ كلام كان في نفسه حسناً خلاباً حتى إِذا جاء في غير مكانه، وسقَطَ في غير مسقَطِه، خرج عن حدِّ البلاغة، وكان غَرضاً لسهام الناقدين.
ومن أمثلة ذلك قول المتنبي لكافور الإخشيدى (17) في أَول قصيدة مدحه بها:
كَفى بِكَ داءً أنْ نرى الموتَ شافيا وحَسْبُ المنايا أَن يَكُنَّ أمانيا (18)
وقوله في مدحه:
وما طرَبي لمَّا رأَيتك بدْعةً لقد كنتُ أَرْجو أن أراك فأَطربُ
قال الواحِدىُّ (19) : هذا البيت يشبه الاستهزاءَ فإنه يقول: طَرِبتُ عند رؤيتك كما يطرَبُ الإنسان لرؤية المضحكات. قال ابن جنيِّ (20) : لما قرأت على أبي الطيب هذا البيت قلتُ له: مَا زِدتَ على أن جعلت الرجل قردًا، فضَحِك. ونَرى أن المتنبي كان يغْلى صدرُه حِقدًا على كافور وعلى الأَيام التي ألجأَته إِلى مدحه؛ فكانت تَفرمن لسانه كلماتٌ لا يستطيع احتباسها وقديماً زَلَّ الشعراءُ لمعنى أو كلمة نَفَّرت سامعيهم، فأَخرجت كلامهم عن حد البلاغة، فقد حكَوا أن أبا النجم (21) دخل على هشام ابن عبد الملك وأنشده:
صَفْراءُ قد كادت ولمَّا تَفعل كأنَّها في الأُفقِ عيْنُ الأحول (22)
وكان هشام أَحْول فأَمر بحبسه.
ومدح جرير (23) عبْدَ المالك بْنَ مَرْوان بقصيدة مطلعها:
"أَتَصْحُو أَمْ فؤَادُكَ غيْرُ صاحِ" فاستنكر عبد الملك هذا الابتداءَ وقال له: بلى فؤادك أَنت.
وَنَعَى علماء الأَدب على البُحْتُرى (24) أن يبدأَ قَصيدةً يُنشدها أَمام ممدوحه بقوله:
"لَكَ الْوَيْلُ مِنْ لَيْلٍ تقاصَرَ آخِرُه".
وعابوا عن المتنبي قولَهُ في رثاء أمِّ سيف الدولة (25) :
صلاةُ اللهِ خالِقِنا حَنوطٌ على الوجْهِ المكفَّنِ بالجمَال (26)
قال ابْنُ وَكِيع (27) : إِن وصفه أُمّ الملك بجمال الوجه غير مختار:
وفى الحق أَن المتنبي كان جريئاً في مخاطبة الملوك، ولعلَّ لعظم نفسه وعَبْقَريَّته شأْناً في هنا الشذوذ.
إذن لابدَّ للبليغ أولا من التفكير في المعاني التي تجيش في نفسه، وهذه يجب أَن تكون صادقة ذاتَ قيمة وقوة يظهر فيها أَثر الابتكار
وسلامةِ النظر ودقة الذوق في تنسيق المعاني وحسن ترتيبها، فإذا تم له ذلك عَمدَ إِلى الأَلفاظ الواضحة المؤثرة الملائمة، فأَلف بينها تأْليفاً يكسبها جمالا وقوّة، فالبلاغة ليست في اللفظ وحده، وليست في المعنى وحده، ولكنها أثر لازمٌ لسلامة تأْليف هذين وحُسْن انسجامهما.
* * *
بعد هذا يحسن بك أن تَعرف شيئاً عن الأُسلوب الذي هو المعنَى المَصُوغُ في ألفاظ مؤَلفة على صورة تكونُ أَقربَ لنَيْل الغرض المقصود من الكلام وأفعل في نفوس سامعيه، وأَنواع الأساليب ثلاثة:
(1) الأُسلوب العلمي: وهو أهدأُ الأساليب،،أكثرها احتياجاً إِلى المنطق السليم والفكر المستقيم، وأَبعدُها عن الخيال الشِّعرىّ، لأَنه يخاطب العقل، ويناجى الفكر ويَشرَح الحقائق العلمية التي لا تخلو من غموض وخفاء، وأظهرُ ميزات هذا الأُسلوب الوُضوح. ولا بد أن يبدوَ فيه أثر القوة والجمال، وقوته في سطوع بيانه ورصانة حُججه، وجَمالهُ في سهولة عباراته، وسلامةِ الذوق في اختيار كلماته، وحُسن تقريره المعنى في الأَفهام من اقرب وجوه الكلام.
فيجب أن يُعنى فيه باختيار الأَلفاظ الواضحة الصريحة في معناها الخالية من الاشتراك، وأن تُؤلّف هذه الأَلفاظ في سهولة وجلاء، حتى تكون ثوباً شَفًّا للمعنى المقصود، وحتى لا تصْبح مثارًا للظنون، ومجالا للتوجيه والتأْويل.
ويحسن التنَحِّي عن المجاز ومُحَسِّنات البديع في هذا الأُسلوب؛ إَلا ما يجئ من ذلك عفوًا من غير أن يَمَسَّ أصلاً من أصوله أو ميزة من ميزاته. أما التشبيه الذي يُقصد به تقريبُ الحقائق إِلى الأفهام وتوضيحُها بذكر مماثلها، فهو في هذا الأسلوب حسن مقبول.
ولسنا في حاجة إلى أَن نُلقي عليك أَمثلة لهذا النوع، فكتُبُ الدراسة التي بين يديك تجرى جميعُها على هذا النحو من الأساليب.
(2) الأُسلوب الأَدبي: والجمال أبرز صِفاته، وأظهر مُميِّزاته، ومَنشأُ جماله ما فيه من خيال رائع، وتَصْوير دقيق، وتلمُّس لوجوه الشبه البعيدة بين الأشياء، وإِلباس المعنويِّ ثوب المحسوس، وإِظهار المحسوس في صورة المعنويِّ.
فالمتنبي لا يرَى الحُمَّى الراجعةَ كما يراها الأَطباء أَثراً لجراثيم تَدْخل الجسم، فترفع حرارته، وتُسبب رِعْدة تقُشَعْرِيرةً. حتى إِذا فرغت نوْبَتها تَصبَّبَ الجسم عَرَقاً، ولكنه يُصوِّرها كما تراها في تراها في الأَبيات الآتية:
1. وزَائِرتي كأَنَّ بها حياءً فلِيْس تَزُورُ إِلاَّ في الظَّلام (28)
2. بذَلتُ لَها المَطَارف والحَشَايَا فَعَافتها وباتتْ في عظامي (29)
3. يضيقُ الجلدُ عَنْ نَفسِي وعنها فَتُوسِعُهُ بِأَنواعِ السَّقام (30)
4. كأَنَّ الصبحَ يطْرُدُها فتجرى مَدَامِعُها بأَربعة سجام
5. أُراقِبُ وقْتَها مِنْ غَيْرِ شَوْقٍ مُرَاقَبَةَ المَشُوق الْمُسْتهَام (31)
6. ويصْدُقُ وعْدُهَا والصِّدْقُ شرٌّ إِذا أَلْقاكَ في الكُرَب العِظام (32)
7. أَبِنتَ الدَّهْر عِنْدِي كلُّ بنْتٍ فكيف وصَلتِ أَنتِ مِن الزِّحامِ (33)
والغُيُوم لا يراها ابنُ الخياط (34) كما يراها العالمُ بخارًا مُترَاكِماً يَحُولُ إلى ماء إذا صادف في الجوّ طبقة باردة ولكنه يراها:
1. كأن الغيومَ جُيُوش تَسُومُ من العدْل في كلِّ أرض صلاحا (35)
2. إذا قاتل المحْل فيها الغَمامُ بصوب الرِّهام أجَادَ الكفاحا (36)
3. يُقَرْطِسُ بالطَّلِّ فيه السِّهامَ ويُشرِعُ بالوَبْلِ فيه الرِّماحا (37)
4. وسلَّ عَليْهِ سُيوفَ البرُوقِ فأثخَن بالضرْب فيهِ الجراحا (38)
5. تُرَى أَلْسُنُ النوْر تُثنى علَيْهِ فَتَعْجَبُ منهن خُرْساً فِصَاحا (39)
وقد يتظاهر الأَديب بإنكار أسباب حقائق العلم، ويتَلمس لها من خياله أسباباً تُثبت دَعواه الأَدبية وتُقوِّى الغرض الذي يَنشدُهُ، فَكَلَفُ البدر الذي يَظهر في وجهه ليَس ناشئاً عما فيه من جبال وقيعان جافة كما يقول العلماءُ، لأَن المَعرِّى (40) يرى لذلك سبباً آخر فيقول في الرثاء:
وما كلْفةُ البَدْر المُنير قديمةً ولكنها في وجْههِ أثرُ اللَّطم (41)
ولا بد في هنا الأسلوب من الوضوح والقوة؛ فقول المتنبي:
قِفي تَغْرَم الأُولى من اللَّحْظِ مُهجتي بثانية والمتْلِفُ الشيء غارمُه (42)
غير بليغ؛ لأنه يريد أنه نظر إِليها نظرة أتلفت مهجته، فيقول لها قِفي لأنظرك نظرة أخرى ترد إليَّ مهجتي وتُحييها، فإن فعلْتِ كانت النظرة غرْمَا لِمَا أتلفته النظرة الأُولى.
فانظرْ كيف عانينا طويلا في شرح هذا الكلام الموجز الذي سبَّب ما فيه من حذف وسوء تأْليف شِدةَ جفائهْ وبُعْدَه عن الأَذهان، مع أن معناهُ جميل بديع، فكرته مُؤيَّدة بالدليل.
وإِذا أردت أن تَعْرف كيف تَظْهر القوة في هذا الأسلوب، فاقرأ قول المتنبي في الرثاء:
مَا كُنْتُ آملُ قَبلَ نَعْشك أن أرى رضْوَى على أيْدى الرجالِ يَسيرُ (43)
ثم اقرأ قول ابن المعتز (44) :
قدْ ذَهبَ الناسُ ومات الكمالْ وصاح صَرفُ الدَّهْر أين الرجالْ؟
هذا أبُو المَبَّاس في نَعْشِه قوموا انْظرُوا كيف تَسيرُ الجبالْ
تجد أن الأُسلوب الأَول هادئ مطمئن، وأَن الثاني شديد المرَّة عظيم القوة وربما كانت نهايةُ قوته في قوله؛ "وصاح صَرْفُ الدهر أَين الرجال"
ثم في قوله: "قوموا انظروا كيف تسير الجبال".
جملة القول أن هذا الأُسلوب يجب أن يكون جميلاً رائعاً بديع الخيال، ثم واضحاً قويًّا. ويظن الناشئون في صناعة الأَدب أَنه كلما كثر المجاز، وكثرت التشبيهات والأخيلة في هذا الأُسلوب زاد حسنه، وهذا خطأ بيِّن، فإنه لا يذهب بجمال هذا الأسلوب أكثر من التكلف، ولا يُفْسِده شرٌّ من تَعمُّد الصناعة، ونَعْتقد أنه لا يُعجبك قول الشاعر:
فأَمْطَرَت لُؤْلُؤًا مِن نِرْجِس وسقتْ ورْدًا وعضَّتْ على العُنَّاب بالبَرَدِ (45)
هذا من السهل عليك أَن تَعْرِف أَن الشعر والنثر الفنى هما مَوْطِنا هذا الأسلوب ففيهما يزْدهِر وفيهما يبلغ قُنَّة الفنّ والجمال.
(3) الأسلوب الخطابي: هنا تَبْرُزُ قوة المعاني والألفاظ، وقوة الحجة والبرهان، وقوة العقل الخصيب، وهنا يتحدث الخطيب إلى إرادة سامعيه لإثارة عزائمهم واستنهاض هممهم، ولجمال هذا الأُسلوب ووضوحه شأْن كبير في تأْثيره ووصوله إلى قرارة النفوس، ومما يزيد في تأْثير هذا الأُسلوب منزلة الخطيب في نفوس سامعيه وقوةُ عارضته، وسطوعُ حجته، ونبَرات صوته، وحسنُ إِلقائه، ومُحْكَم إِشارته.
ومن أظهر مميزات هذا الأُسلوب التكرارُ، واستعمال المترادفات، وضربُ الأمثال، واختيار الكلمات الجزلة ذات الرنين، ويحسن فيه أَن تتعاقب ضروب التعبير من إِخبار إلى استفهام إلى تعجب إلى استنكار، وأَن تكون مواطن الوقف فيه قويةً شافية للنفس. ومن خير الأَمثلة لهذا الأُسلوب خطبة على بن أَبي طالب (46) رضي الله عنه لمَّا أَغار سُفيانُ بنُ عوفٍ الأَسدِي (47) على الأَنبار (48) وقتل عامله عليها:
"هذا أَخُو غامدٍ قد بَلغتْ خيْله الأَنْبار وقَتلَ حَسَّانَ البَكريّ (49) وأَزال خَيْلَكمْ عنْ مَسَالِحِها (50) وَقَتل مِنْكم رجالاً صالِحِين.
"وقدْ بَلغني أَنَّ الرَّجُل منهُمْ كان يَدْخُلُ على المْرأَةِ الْمُسْلمَةِ والأُخرى المعاهدة (51)، فَيَنْزعُ حِجْلَهَا (52)، وقُلْبَهَا (53)، ورِعاثَها (54)، ثم انْصَرفُوا وَافِرِين (55) ما نالَ رجلا منهم كَلمٌ (56) ، ولا أرِيقَ لهم دَمٌ، فلو أَن رجلاً مُسْلماً مات مِنْ بَعْدِ هذَا أَسَفاً، ما كان به ملُوماً، بلْ كان عِنْدى جديرًا.
"فَواعجَباً مِنْ جدِّ هؤُلاء في بَاطِلِهمْ، وفَشَلِكُمْ عنْ حقِّكُم. فَقُبْحاً لَكمْ حِين صِرْتُم غَرَضاً يُرْمَى (57) ، يُغار علَيْكمْ ولا تُغِيرُون، وتُغْزَوْن وَلا تغزونَ، ويُعْصى الله يترْضَوْن (58) .
قانظر كيف تدرج ابن أَبى طالب في إِثارة شعور سامعيه حتى وصل إِلى القمَّةِ فإنه أخبرهـم بغَزْو الأَنْبار أَولا، ثم بقتل عامله، وأَنَّ ذلك لم يكْف سُفْيان بين عوف فأَغْمد سيوفه في نحور كثيرٍ من رجالهم وأَهليهم.
ثم توجه في الفقرة الثانية إِلى مكان الحميَّةِ فيهم، ومثار العزيمة والنخوة من نفسه كل عربي كريم، أَلا وهو المرأَة، فإِن العرب تبذل أَرواحها رخيصة في الذود عنها، والدفاع عن خِدْرها. فقال: إِنهم استباحوا حِماها، وانصرفوا آمِنين.
وفي الفقرة الثالثة أظهر الدَّهَشَ والحَيْرَة من تمسك أعدائه بالباطل ومناصرته، وفشل قومه عن الحق وخِذْلانه. ثم بلغ الغيظ منه مبلغه فَعيَّرهم بالجُبن والخَوَر.
هذا مثال من أَمثلة الأُسلوب الخطابي نكتفي به في هذه العُجَالة، ونرجو أَن نكون قد وُفقنا إِلى بيان أَسرار البلاغة في الكلام وأَنواع أَساليبه، حتى يكون الطالب خبيرًا بأَفانين القول، ومواطن استعمالها وشرائط تأْديتها، والله الموفق.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) فقول المتنبي: فلاُ يبرم الأمر الذي هو حالل ولا يُحلَل الأَمر الذي هو يبرم غير فصيح؛ لأنه اشتمل على كلمتين غير جارتين على القياس الصرفي، وهما حالل، ويحلل، فإن القياس حال ويحل بالإِدغام.
(2) تنافر الحروف: وصف في الكلمة يوجب ثقلها على السمع وصعوبة أدائها باللسان ولا ضابط لمعرفة الثقل والصعوبة سوى الذوق السليم المكتسب بالنظر في كلام البلغاء وممارسة أساليبهم.
(3) هو شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجمعت العرب عل أنه أشعر أهل المدر، قيل إنه عاش 120 سنة، 60 في الجاهلية و 60 في الإسلام، وتوفى سنة 54هـ.
(4) هو مطعم بن عدي أحد رؤساء المشركين، وكان يذب عن الني صلى الله عليه وسلم.
ومعنى البِيت أنه لو كان مجد الإنسان أو شرفه سبباً لطول حياته وخلوده في هذه الدنيا، لكان مطعم بن عدى أولى الناس بالخلود، لأَنه حاز من المجد السؤدد ما لم يجزه غيره.
(5) البيت من الرجز، ولا يعرف قائله، ولعله مصنوع.
(6) تتعتع في الكلام: تردد فيه من حصر أوعى.
(7) أبو الطيب المتنبي هو أحمد بن الحسين الشاعر الطائر الصيت، كان من المطلعين على غريب اللغة، وشعره غاية في الجودة، يمتاز بالحكة وضرب الأمثال وشرْح أسرار النفوس، ولد بالكوفة في محلة تسمى كندة سنة 303هـ، وتوفى سنة 354هـ.
(8) الثقلان: الإنس والجن، البيت من قصيدة طويلة في مدح شجاع بن محمد الطائي.
(9) هو رأس شعراه الجاهلية وقائدهم إِلى الافتنان في أبواب الشعر وضروبه، ولد سنة 130 ق هـ، وآباؤه من أشراف كندة وملوكها، وتوفى سنة 80 ق هـ، وله المعلقة المشهورة.
(10) الروع: الفزع، السعف جمع سعفة: وهي غصن النخل.
(11) أبو تمام: هو حبيب بن أوس الطائي الشاعر المشهور. كان واحد عصره في الغوص وراء المعاني وفصاحة الشعر وكثرة المحفوظ، وتوفى بالموصل سنة 231هـ.
(12) الندى: الجود. وخمر صريعاً: سقط على الأرض.
(13) الورقاء: الحمامة في لونها بياض إِلى سواد. والهتوى: كثيرة الصياح. والشجو: الهم والحزن. والصدح: رفع الصوت بالغناء، والفتن: الغصن.
(14) الإلف: الأليف.
(15) الأرق: السهر، وأرقها: أسهرها.
(16) الجوى: الحرقة وشدة الوجد.
(17) كافور الإخشيدي: هو الأمير المشهور صاحب المتنبي، وكان عبدًا اشتراه الإخشيد ملك مصر سنة 32 هـ فنسب إليه وأعتقه، فترقى عنده، وما زالت همته تسمو به حتى ملك مصر سنة 355هـ، وكان مع شجاعته فطناً ذكياً حسن السياسة، وتوفى بالقاهرة سنة 357 هـ.
(18) كفى بك : أي كفاك فالباء زائدة، والمنايا جمع منية وهي الموت، والأماني: جمع أمنية وهي الشيء الذي تتمناه؛ يخاطب أبو الطيب نفسه ويقول: كفاك داء رؤيتك الموت شافياً لك، وكفى المنية أن تكون شيئاً تتمناه.
(19) الوحدى: مفسر عالم بالأدب، مولده ووفاته بنيسابور، وكتبه البسيط والوسيط والوجيز في التفسير مخطوطة، وشرحه لديوان المتنبي مطبوع توفى سنة 468هـ.
(20) ابن جني: هو من أئمة النحو والعربية ولد في الموصل وتوفى ببغداد سنة 392 هـ. ومن مؤلفاته الخصائص في اللغة، وكان المتنبي يقول: ابن جني أعرف بشعرى مني.
(21) أبو النجم: هو الفضل بن قدامة، وهو من رجال الإسلام، والفحول المتقدمين في الطبقة الأولى منهم، وله مع هشام بن عبد الملك أخبار طويلة، وكانت وطاته آخر دولة بني أمية.
(22) قيل هذا البت في وصف الشمس، والأحول: من بحيث حول، وهو ظهور البياض في مؤخر العين، ويكون السواد من قبل الماق:
(23) جرير هو ابن عطية التميمي، أحد الشعراء الثلاثة المقدمين في دولة بنى أمية، وهم الأخطل، و جرير، والفرزدق، وقد فاق صاحبيه في بعض فنون الشعر، وتوفى سنة 110هـ.
(24) البحتري شاعر مطبوع من شعراء الدولة العباسية، سئل أبو العلاء المعري: من أشعر الثلاثة، أبو تمام أم البحتري أَم المتنبي؟ فقال: أبو تمام والمتنبي حكيمان، وإنما الشعر البحتري. وكانت ولادته بمنبج - وهي بلدة قديمة بين حلب والفرات - وتوفي بها سنة 284 هـ
(25) سيف الدولة: هو أبو الحسن على بن عبد الله بن حمدان، كان ملكاً على حلب، وكان أدبياً شاعراً مجيدًا محباً لجيد الشعر شديد الاعتزاز له؛ قيل لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من الشعراء، وقد انقطع المتنبي إليه وخصه بمدائحه. وكانت ولادته سنة 303 هـ وهي سنة ولادة المتنبي، ووفاته سنة 356 هـ بعد مقتل المتنبي بسنتين.
(26) الصلاة: الرحمة، والحنوط: طيب يخلط للميت. يدعو لها بأن تكون رحمة الله لها بمنزلة الحنوط للميت.
(27) ابن وكيع: شاعر مجيد، أصله من بغداد، ولد في تنيس بمصر وتوفى بها سنة 393هـ وله ديوان شعر.
(28) الواو واو رب أي رب زائرة لي، يريد بهاء الزائرة الحمى وكانت تأتيه ليلا، يقول: كأنها فتاة ذات حياء؛ فهي نزورني تحت سواد الليل.
(29) المطارف: جمع مطرف كمكرم وهو رداء من خز، والحشايا: جمع حشية وهي الفراش المحشو، وعافتها: أبتها. يقول هذه الزائرة أي الحمى لا تبيت في الفراش، وإنما تبيت في العظام.
(30) يقول: جلدي يضيق عن أن يسع أنفاسي ويسعها، فهي تذيب جسمي وتوسع جلدي بما تصيبه به من أنواع السقام.
(31) يقول إنه يراقب وقت زيارتها خوفاً لا شوقاً.
(32) يريد بوعدها وقت زيارتها، ويقول إنها صادقة الوعد لأنها لا تتخلف عن ميقاتها، وذلك الصدق شر، لأنها تصدق فيما يضر.
(33) يريد ببنت الدهر الحمى، وبنات الدهر شدائده، يقول للحمى: عندي كل نوع من أنواع الشدائد، فكيف لم بمنعك ازدحامهن من الوصول إلى؟
(34) ابن الخياط: شاعر من أهل دمشق، طاف بالبلاد يمتدح الناس، وعظمت شهرته. وله ديوان شعر مشهور، توفى بدمشق سنة 517 هـ.
(35) تسوم من العدل في كل أرض صلاحاً، أي تولى كل أرض صلاحاً بالخصب والنماء.
(36) المحل: الجدب وهو انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ، والصواب: نزول المطر، والرهام: جمع رهمة وهي المطر الضعيف الدائم، والكفاح: القتال والمدافعة.
(37) القرطاس: الغرض أو الهدف، ويقال قرطس الرامي إذا أصاب القرطاس أي الغرض، فهو يقول: إن الغمام يسدد السهام إلى المحل فيقضى عليه، ومعنى يشرع الرماح يسددها، والوبل: المطر الشديد الضخم القطر.
(38) أثخن بالضرب فيه الجراح: بالغ الجراحة فيه.
(39) النور: الزهر.
(40) المعرى: هو أبو العلاء المعرى اللغوى الفيلسوف الشاعر المشهور، ولد بالمعرة وهي بلد صغير بالشام، وعمى من الجدرى وهو في ا لرابعة من عمره، وتوفى بالمعرة سنة 449 هـ.
(41) الكلفة: حمرة كدرة تعلو الوجه.
(42) غرم ما أتلفه: لزمه أداؤه، وتغرم جواب قفى وفاعله الأولى، ومن اللحظ بيان للأولى، ومهجي مفعول تغرم.
(43) رضوى: اسم جبل بالمدينة، شبه المرثي به لعظمته وفخامة قدره،
(44) ابن المعتز: هو عبد الله بن المعتز العباسي، أحد الخلفاء العباسيين، منزلته في الشعر والنثر رفيعة ويشتهر بتشبيهاته الرائعة، وهو أول من كتب في البديع، توفى سنة 296هـ.
(45) العتاب: ثمر أحمر تشبه به الأنامل، والبرد، حب الغمام وتشبه به الأسنان.
(46) على بن أبي طالب: هو رابع الخلفاء الراشدين، وأحد السابقين إلى الإسلام، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره وقد اشتهر ببلاغته وشجاعته، توفى سنة 40 هـ.
(47) سفيان بن عوف الأسدي: هو أحد بني غامد، وهي قبيلة باليمن، وقد بعثه معاوية لشن الغارة على أطراف العراق.
(48) الأنبار: بلدة على الشالطئ الشرقي للفرات.
(49) حسان البكرى: هو عامل علي رضي الله عنه على الأنبار.
(50) المسالح جمع مسلحة بالفتخ: وهي الثغر حيث يخشى طروق العدو.
(51) المعاهدة: الذمية.
(52) الحجل: الخلخال.
(53) القلب بالضم: السوار.
(54) الرعاث: جمع رعثة، القرط.
(55) وافرين: تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم.
(56) الكَلم بالفتح: الجرح.
(57) الغرض: ما ينصب ليرمى بالسهام ونحوها.
(58) يشير بالعصيان إلى ما كان يفعله جيش معاوية من السلب والنهب والقتل في المسلمين والمعاهدين، أنا رضا أهل العراق بهذا العصيان فكناية عن قعودهم عن المدافعة، إذ لو غضبوا لهموا إلى القتال.





علم البيان
التشبيه (1) أركانهُ
الأمثلة
(1) قال المَعَرِّى في الْمَديح:
أَنْتَ كالشَّمْس في الضِّياءِ وإِن جا وَزْتَ كيوانَ فِى عُلُوّ المكان [1]
(2) وقال آخرُ:
أَنْتَ كاللَّيْثِ في الشَّجَاعةِ والإقْدام وَالسَّيْفِ في قِراعِ الخُطوب [2]
(3) وقال آخرُ:
كأَنَّ أَخْلاقَكَ فِي لُطْفِها ورقَّةٍ فِيها نَسِيمُ الصَّباحْ
(4) وقال آخرُ:
كأَنَّما الْماءُ فِي صفاءٍ وَقَدْ جَرَى ذَائِبُ اللُّجَيْن [3]
البحث:
في البيت الأَول عَرف الشاعِرُ أَن مَمْدُوحَه وَ ضِىءُ الوجه مُتَلألئُ الطلعة، فأَراد أن يأْتي له بمَثِيل تَقْوَى فيه الصفةُ، وهى الضياء والإشراق فلم يجد أقوى من الشمس، فضاهاه بها، ولبيان المضاهاة أتي بالكاف.
وفي البيت الثاني رأى الشاعر ممدوحه متصفاً بوصفَيْن، هما الشجاعة ومصارعة الشدائد، فَبحَث له عن نَظيرَيْن في كلٍّ منهما إِحدى هاتين الصفتين قويةً، فضاهاه بالأسدِ في الأولى، وبالسيف في الثانية، وبيَّن هذه المضاهاة بأَداة هي الكاف.
وفي البيت اِلثالث وجَد الشاعر أخلاق صَدِيقِه دمِثَةً لَطِيفَةً تَرتاح لها النفس، فَعملَ على أن يأْتي لها بنظير تَتَجَلَّى فيه هذه الصَّفة وتَقْوَى، فرأَى أن نسيم الصباح كذلك فَعَقَدَ المماثلة بينهما، وبيَّن هذه المماثلة بالحرف "كأن".
وفي البيت الرابع عَمِل الشاعِر على أَن يَجدَ مثيلاً للماء الصافي تَقْوَى فيه صِفَة الصفاء، فرأَى أَن الفضة الذائبةَ تَتجلَّى فيها هذه الصفةُ فماثل بينهما، وبيَّن هذه المماثلة بالحرف "كان".
فأَنت ترى في كل بيت من الأبيات الأَربعة أَن شيئاً جُعِلَ مَثِيلَ شيء في صفة مشتركة بينهما، وأَن الذي دلّ على هذه المماثلة أَداة هي الكاف أَو كأَن، وهذا ما يُسَمَّى بالتشبيه، يقد رأَيتَ أَن لا بدَّ له من أَركان أَربعة: الشيء الذي يراد تشبيهه ويسمى المشبه، والشيءَ الذي يُشَبَّه به ويُسمَّى المشبه به، (وهذان يسميان طرفي التشبيه)، والصفةُ المشتركة بين الطرفين وتسمى وجه الشبه، ويجب أَن تكون هذه الصفة في المشَبَّه به أَقوى وأَشهَرَ منها في المشبَّه كما رأَيت في الأمثلة، ثم أداة التشبيه وهى الكاف وكأَن ونحوهما [4] .
ولا بد في كل تشبيه من وجود الطرفين، وقد يكون المشبه محذوفاً للعلم به ولكنه يُقَدَّرُ في الإِعراب، وهذا التقدير بمثابة وجوده كما إذا سُئِلت "كيف على"؟ فقلت: "كالزهرة الذابِلةِ" فإِن "كالزهرة" خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير هو الزهرة الذابلةُ، وقد يحذف وجه الشبه، وقدْ تحذف الأداة. كما سَيُبَين لك فيما بعد.
القواعـد
(1) التشْبيهُ:ْ بَيانُ أَنَّ شَيْئاً أَوْ أشْياءَ شارَكَتْ غيْرَها في صفةٍ أوْ أَكْثرَ، بأَداةٍ هِيَ الكاف أَوْ نحْوُها ملْفوظة أَوْ ملْحُوظةً.
(2) أَركانُ التَّشْبيهِ أرْبعة، هيَ: المُشَبَّهُ، والمشُبَّهُ بهِ، ويُسَمَّيان طَرَفَي التَّشبيهِ، وأَداةُ التَّشْبيهِ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ، وَيَجبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى وَأَظْهَرَ فِي الْمُشبَّهِ بهِ مِنْهُ فِي الْمُشَبَّهِ.
نَمُوذَج
قال الْمعَرَى:
رُبَّ لَيْل كأَنَّه الصُّبْحُ في الْحُسـ ـن وإنْ كانَ أَسْوَدَ الطِّيْلَسان [5]
وسهيْلٌ كَوجْنَةِ الْحِبِّ في اللَّوْ نِ وقَلْبِ الْمُحِبِّ فِي الخفقان [6]
تمرينات
(1) بَيِّن أَركان التشبيه فيما يأتي:
(1) أَنْت كالبحْر في السَّماحةِ والشَّمْـ ـسِ عُلُوًّا والْبدْر في الإِشراقِ [7]
(2) العُمْرُ مِثْلُ الضَّيْفِ أَوْ كالطِيْفِ لِيْس لَهُ إِقامةْ
(3) كلام فلان كالشَّهْدِ في الحلاوة [8] .
(4) الناس كأَسْنان المُشْطِ في الاستواء.
(5) قال أَعرابي في رجل: ما رأَيتُ في التوقُّدِ نَظْرةً أَشْبَهَ بِلَهيب النارِ من نظْرته.
(6) وقال أَعرابي في وصف رجل: كانَ له عِلْمٌ لا يخالطه جَهْلٌ، وصِدْق لا يَشُوبه كَذِبٌ، وكان في الجُودِ كأَنهُ الوبْلُ عَنْد المحْلِ [9] .
(7) وقال آخر: جاءُوا علَى خَيل كأَنَّ أَعْناقَها في الشُّهرة أَعلام [10] ، وآذانَها في الدِّقَّةِ أَطرافُ أَقلام، وفرْسانها في الجُرْأَةِ أُسُودُ آجام [11] .
(8) أَقوالُ الملوك كالسيوف المواضي في القَطع والبتِّ [12] في الأُمور.
(9) قلبُه كالحجارة قَسْوةً وصلابةً.
(10) جبِينُ فلان كَصفْحةِ المِرْآة صفاءً وتلأْلؤًا.
(2) كَوِّن تشبيهاتٍ من الأَطراف الآتية بحيث تختارُ مع كلِّ طَرفٍ ما يناسبه: العزيمة الصادقة، شجرة لا تُثْمر، نَغَمُ الأَوْتار، المطَرُ للأَرض. الحديث المُمْتِع، السيف القاطع، البخيِل، الحياة تدِبُّ في الأَجسام.
(3) كوِّن تشبيهاتٍ بحيث يكون فيها كلٌّ مما يأْتي مُشبّهاً:
القِطار - الهرمُ الأَكبر - الكِتاب الحصِان
المصابيح - الصَّدِيق المُعلِّم - الدَّمع
(4) اجْعل الكل واحد مما يأْتي مُشبَّهاً به:
بًحْر – أسَد - أُمُّ رؤُم [13] - نسيم عليل- مِرْآة صافية - حُلْم لذيذ
(5) اِجعل كلَّ واحد مما يأْتي وجْهَ شَبَهٍ في تشبيهٍ من إنشائك، وعيِّن طَرفي التشبيه:
البياض – السواد – المرارة - الحلاوة – البُطءُ – السْرْعة - الصلابة
(6) صف بإِيجاز سفينة في بحر مائج، وضمِّن وصفَك ثلاثة تشبيهات.
(7) اشرح بإِيجاز قول المتنبي في المديح. وبيِّن جمال ما فيه من التشبيه:
1. كالبدْر من حيثُ التَفَتَّ رأَيْتَهُ يُهْدِى إلى عينَيْكَ نورًا ثاقياً [14]
2. كالبحْر يقْذِفُ للقَرِيبِ جواهِرًا جودًا ويبعَث للبعيدِ سحائباً
3. كالشمْسِ في كَبد السَّماءِ وضَوْؤُها يغْشَى البلاد مشاَرقاً ومَغاربا
--------------------------------------------------------------------------------
(1) كيوان: زحل، وهو أعلى الكواكب السيارة.
(2) قراع الخطوب: مصارعة الشدائد والتغلب عليها.
(3) اللجين: الفضة.
(4) أداة التشبيه إما اسم، نحو شبه ومثل ومماثل وما رادفها، وإما فعل، يشبه ويماثل ويضارع ويحاكي ويشابه، وإما حرف، وهو الكاف وكان.
(5) الطيلسان: كساء واسع يلبسه الخواص من العلماء، وهو من لباس العجم، جمعه طيالس وطيالسه.
(6) سهيل: كوكب ضوؤه يضرب إلى الحمرة في اهتزاز واضطراب، الحب: الحبيب. والخفقان: الاضطراب.
(7) السماحة: الجود.
(8) الشهد: العسل في شمعه.
(9) الوبل: المطر الشديد، والمحل: القحط والجدب.
(10) الأعلام: الرايات.
(11) الآجام جمع أجمة: وهي الشجر الكثير الملتف.
(12) البت في الأمور: إنفاذها.
(13) الرؤوم: العطوف.
(14) الثاقب: المضئ.





(2) أقسام التشبيه
الأمثلة:
(1) أنا كالماءَ إِنْ رَضيتُ صفاءً وإذَا مَا سَخطتُ كُنتُ لهيبا
(2) سِرْنا في ليل بَهيم كأَنَّهُ البَحْرُ ظَلاماً وإِرْهاباً. [1]
(3) قال ابنُ الرُّومىّ في تأْثير غِناءِ مُغَنٍّ: [2]
فَكأَنَّ لذَّةَ صَوْتِهِ وَدَبيبَها سِنَةٌ تَمَشَّى فِي مَفَاصِل نُعَّس [3]
(4) وقال ابنُ المعتزّ:
وكأَنَّ الشمْسَ الْمُنِيرَةَ دِيـ ـتارٌ جَلَتْهُ حَدَائِدُ الضَّرَّابِ [4]
(5) الجَوَاد في السرعة بَرْقٌ خاطِفٌ.
(6) أَنْتَ نجْمٌ في رِفْعةٍ وضِياء تجْتَليكَ الْعُيُونُ شَرْقاً وغَرْبا [5]
(7) وقال المتنبي وقدِ اعْتَزَمَ سيفُ الدولةِ سَفَرًا:
أَيْنَ أَزْمَعْتَ أَيُّهذا الْهُمامُ؟ نَحْنُ نَبْتُ الرُّبا وأَنْتَ الْغمام [6]
(8) وقال الْمُرَقَّش:
النَشْرُ مِسْكٌ وَالْوُجُوه دَنا نِيرٌ وَأَطْرَافُ الأَكُفُّ عَنَم [7]
البحث:
يُشبه الشاعر نفسه في البيت الأَول في حال رضاه بالماء الصافي الهادئ، وفي حال غضبه بالنار الملتهبة، فهو محبوب مخوف وفي المثال الثاني شُبِّه الليلُ في الظلمة والإِرهاب بالبحر. وإِذا تأَمَّلت التشبيهين في الشطر الأَول والمثال الثاني رأَيت أَداة التشبيه مذكورة بكل منهما، وكلُّ تشبيه تذكر فيه الأَداةُ يسمى مرسلا. وإِذا نظرت إلى التشبيهين مرة أخرى رأيت أَن وجه الشبه بُيِّنَ وفُـصِّلَ فيهما، وكله تشبيه يذكر فيه وجه الشبه يسمى مفصلا.
ويصف ابنُ الرومى في المثال الثالث حُسن صوت مُغنٍّ وجميلَ إيقاعه، حتى كأَنَّ لذة صوته تسرى في الجسمٍ كما تسرى أوائل النوم الخفيف فيه، ولكنه لم يذكر وجه الشبه معتمدًا على أنك تستطيع إدراكه بنفسك الارتياح والتلذذ في الحالين. ويشبه ابنُ المعتز الشمس عند الشروق ودينار مجلوّ قريب عهده بدار الضرب، ولم يذكر وجه الشبه أيضاً وهو الاصفرار والبريق، ويسمى هذا النوع من التشبيه، وهو الذي لم يذكر فيه وجه الشبه، تشبيهاً مجملا.
وفي المثالين الخامس والسادس شُبِّه الجواد بالبرق في السرعة، والممدوح بالنجم في الرفعة والضياء من غير أَن تذكر أداةُ التشبيه في كلا التشبيهين، وذلك لتأكيد الادعاء بأَن المشبه عينُ المشبه به، وهذا النوعُ يسمى تشبيهاً مؤكدًا.
وفي المثال السابع يسأَل المتنبي ممدوحه في تظاهر بالذعر والهلَع قائلا: أين تقصد؟ وكيف ترحل عنا؟ ونحن لا نعيش إلا بك، لأَنك كالغمام الذي يحيى الأَرض بعد موتها، ونحن كالنَّبتِ الذي لا حياة له بغير الغمام. وفي البيت الأخير يشبه المرقش النشر، وَهو طِيبُ رائحة منْ يصف، بالمسك، والوجوه بالدنانير، والأنامل المخضوبة بالعنم، وإذا تأَملت هذه التشبيهات رأيت أنها من نوع التشبيه المؤكد، ولكنها جمعت إلى حذف الأداة حذف وجه الشبه. وذلك لأَن المتكلم عمد إِلى المبالغة والإِغراق في ادعاء أن المشبه هو المشبه به نفْسُه. لذلك أَهمل الأَداة التي تدل على أَن المشبه أَضعفُ في وجه الشبه من المشبه به، وأَهمل ذكرَ وجه الشبه الذي ينمُ عن اشتراك الطرفين في صفة أو صفات دون غيرها. ويسمى هذا النوع بالتشبيه البليغ، وهو مظهر من مظاهر البلاغة وميدان فسيح لتسابق المجيدين من الشعراء والكتاب.
القواعد
(3) التشبيهُ الْمُرْسَلُ ما ذُكِرَتْ فِيه الأداةُ.
(4) التشبيهُ الْمُؤَكَّد ما حُذِفتْ منهُ الأَداة.
(5) التشبيهُ الْمُجْمل ما حُذِف منه وجهُ الشبهِ.
(6) التشبيهُ الْمُفَصَّلُ ما ذُكِرَ فيه وجهُ الشبهِ.
(7) التشبيه البليغُ ما حُذِفت منهُ الأَداةُ ووَجهُ الشبه [8]
نموذج
(1) قال المتنبي في مدح كافور:
إذا نِلت مِنْك الوُدَّ فالمالُ هَيِّنٌ وكلُّ الَّذي فَوْق الترابِ ترابُ
(2) وصف أعرابي رجلاً فقال:
كأنَّه النهار الزاهر والقمرُ الباهر الذي لا يخفى على كل ناظر.
(3) زرنا حديقةً كأنها الفِرْدوْسُ في الجمال والبهاء.
(4) العالِمُ سِراجُ أُمَّته في الهِداية وَتبديد الظلاَم.
تمرينـات
(1) بيِّن كل نوع من أَنواع التشبيه فيما يأْتي:
(1) قال المتنبي:
إَنَّ السُّيُوفَ مع الَّذِين قُلُوبُهُمْ كقُلُوبِهِنَّ إِذَا الْتَقِى الْجَمْعان [9]
تلقَى الحُسَامَ على جراءَةِ حدِّه مِثْل الجُبانِ بِكَفِّ كُلِّ جبانِ [10]ِ
(2) وقال في المديح:
فَعَلَتْ بنَا فِعْل السماءِ بِأَرْضِهِ خِلعُ الأَميرِ وحقَّهُ لَمْ نَقْضِهِ [11]
(3) وقال:
ولا كُتْبَ إِلا المشرفِيَّهُ عِنْدهُ وَلا رُسُلٌ إِلاَّ الْخَمِيسُ العَرمرم [12]
(4) وقال:
إذا الدولةُ اسْتكفتْ بهِ في مُلِمَّةٍ كفاها فكانَ السَّيْف والكفَّ والقَلْبَا [13]
(5) قال صاحب كليلةَ ودمنة:
الرجُل ذو المروءَة يُكْرمُ على غير مال كالأسد يُهابُ وإِن كان رابضاً [14] .
(6) لكَ سِيرةٌ كَصحِيفَة الْـ ـأَبْرار طاهِرةٌ نَقِيَّهْ [15]
(7) المالُ سَيْفٌ نَفْعاً وضَرًّا.
(8) قال تعالى: {ولهُ الجوَارِ المنْشَآتُ فِي البحْرِ كالأَعلام [16] }.
(9) قال تعالى: {فَتَرى القوْم فِيهَا صَرعى كَأنَّهُمْ أعجازُ نخْلٍ خاوِيةٍ [17] }.
(10) قال البُحْتُرِى في المديح:
ذَهبتْ جدَّةُ الشِّتاءِ ووافا نَا شَبيهاً بِك الرَّبيعُ الجديدُ
ودنَا العِيدُ وهو لِلنَّاسِ حتى يتَقضى وأَنتَ لِلِعيدِ عِيدُ
(11) قال تعالى: { ألَمْ تَر كيفَ ضَرب اللهُ مثلاً كلِمةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طيِّبة [18] أصْلُها ثَابتٌ وفَرْعُهَا فِي السَّماءِ تُؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ [19] بِإِذنِ ربِّها ويضْرِبُ الله الأَمْثال لِلنَّاسِ لَعلَّهُمْ يتذكَّرُون. ومثلُ كَلِمةٍ خَبِيثَةٍ كشَجرةٍ خبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ [20] مِنْ فَوْق الأرضِ مالَها مِنْ قَرار [21] }.
(12) وقال تعالى: { اللهُ نُورُ السَّمواتِ والأرْضِ مثَل نُورِهِ كَمِشكَاةٍ [22] فِيها مصباحٌ المصْباحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأنَّهَا كَوكَبٌ دُرِّيٌّ [23] يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُباركَةٍ زَيْتُونةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ [24] يكَادُ زَيتُهَا يُضِئُ ولو لم تَمْسَسْه نَار نُورٌ عَلى نُور [25] يهْدِى اللهُ لِنُورِهِ منْ يشَاءُ وَيضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ واللهُ بِكُلِّ شَيءٍ علِيم }.
(13) القلوبُ كالطير في الأُلفَةِ إِذَا أنِستْ.
(14) مدح أعْرابي رجلاً فقال:
له هِزَّة كهزَّة السيف إذا طَرِب، وجُرْأة كجرأة الليثِ إذا غضِب [26] .
(15) ووصف أعرابي أخاً له فقال:
كان أخي شَجراً لا يخلَفُ ثَمرُه، وبحْرًا لا يُخَافُ كَدرُه.
(16) وقال البحْتُرىُّ:
قُصُورٌ كالكواكِبِ لا معَاتٌ يكَدْنَ يُضِئْنَ لِلسَّاري الظلاَما
(17) رأىُ الحازم ميزان في الدّقَّة.
(18) وقال ابن التعاوِيذي [27] :
إِذا ما الرَّعد زَمْجَر خِلْتَ أُسْدًا غِضاباً في السحاب لها زَئيرُ [28]
(19) وقال السَّريُّ الرَّفَّاء [29] وصف شمعة:
مَفْتُولَةٌ مجدُولةٌ تَحْكى لنا قَدَّ الأَسَلْ [30]
كأَنَّها عُمْرُ الْفتى والنارُ فِيها كالأَجْلْ
(20) وقال أَعرابي في الذم:
لقد صغَّر فلاناً في عيني عِظمُ الدنيا في عينه، وكأَنَّ السائل إذا أَتاه ملَكُ الموْتِ إذا لاقاه.
(21) وقال أَعربي لأمير: اجْعلْني زِماماً من أَزِمَّتِكَ التي تَجُرُّ بها الأَعداءَ [31]
(22) وقال الشاعر:
كَمْ وُجُوه مِثْلِ النَّهارِ ضِياءً لِنُفُوسٍ كالليْلِ في الإِظلامِ
(23) وقال آخر:
أَشْبهْتَ أَعْدائي فَصِرْتُ أُحِبُّهُمْ إِذ كان حَظّى مِنَّك حظِّى مِنْهُمُ
(24) وقال البحتري في المديح:
كالسيف في إِخْذَامِهِ والْغَيْثِ في إِرْهامِهِ والليْثِ في إِقدامِه [32]
(25) وقال المتنبي في وصف شعره:
إِنَّ هذَا الشِّعْرَ في الشِّعْر ملَكْ سَار فَهْو الشَّمْسُ والدُّنيا فَلَك [33]
(26) وقال في المديح:
فَلَوْ خُلِق النَّاسُ مِنْ دهْرِهمْ لكانُوا الظَّلاَمَ وكُنتَ النهارا
(27) وقال في مدح كافور:
وأَمْضى سِلاحٍ قَلَّدَ الْمرْءُ نَفْسَهُ رجاءُ أِبي المِسْكِ الكَرِيم وقصُدهُ
(28) فلان كالمئْذنَة في استقامة الظاهر واعْوجاج الباطن.
(29) وقال السَّريُّ الرَّفَّاء:
بِركٌ تَحلَّتْ بِالكَواكِبِ أَرْضُها فَارْتَدَّ وجْهُ الأَرْض وهْو سماءُ [34]
(30) وقال البُحْتُرِى:
بِنْتَ بِالفَضْلِ والعُلُوِّ فأَصْبحْـ ـتَ سماءً وأَصْبح النَّاسُ أَرْضا [35]
(31) وقال في روضة:
وَلَوْ لَمْ يسْتَهِلَّ لَها غَمامٌ بِريِّقِهِ لكنْتَ لَها غَمامَا [36]
(32) الدنيا كالمِنْجَلِ استواؤها في اعوجاجها [37]
(33) الحِمْيةُ من الأَنامِ، كالحِمْيةِ من ا لطعام [38] .
(34) وقال المعري:
فَكأَنِّي ما قُلْتُ واللَّيْلُ طِفْلٌ وشَبابُ الظَّلْماءِ في عُنْفُوانِ [39]
لَيْلتِي هذِهِ عَرُوسٌ مِن الزَّنْـ ـج عليْها قلاَئدٌ مِنْ جُمَان [40]
هرب النَّوْمُ عنْ جُفُونِي فيهَا هرب الأَمْن عَنْ فؤادِ الجبانِ
(35) وقال ابن التعاويذى:
ركِبُوا الدَّياجِى والسرُوجُ أهِلَّةٌ وهمُ بُدُور والأَسِنَّة أنْجُم [41]
(36) وقال ابن وكِيع:
سُلَّ سيْفُ الْفجْر مِن غمْدِ الدُّجى وتعرى اللَّيْل مِنْ ثَوْب الغلَسْ [42]
(2) اجعل كل تشبيه منَ التشبيهين الآتيين مفصَّلاً مؤكَّدًا ثم بليغاً:
وكأَنَّ إيماض السيُوفِ بوَارقٌ وعجَاجَ خَيْلِهم سَحَابٌ مُظْلِمُ [43]
ا(3) ِجعل كل تشبيه من التشبيهين الآتيين مرسلاً مفصلاً ثم مرسلاً مجملاً:
أنَا نَارٌ فِي مُرْتقي نَظر الحا سِدِ مَاءٌ جارٍ مَع الإخْوَان [44]
(4) اِجعل التشبيه الآتي مؤكدًا مفصولا ثم بليغاً، وهو في وصف رجلين اتفقا على الوشاية بين الناس:
كَشِقَّىْ مقص تجمَّعْتما على غَيْرِ شَيْءِ سِوى التَّفْرقةْ [45]
(5) كوِّن تشبيهات مرسلةً بحيث يكون كلٌّ مما يأْتي مشبهاً.
الماءُ – القلاع [46] – الأزهار – الهلال – السيارة – الكريم – الرعد - المطر
(6) كَوِّن تشبيهات مؤكدة بحيث يكون فيها كل مما يأْتي مشبهاً به:
نسيم ماءٌ زُلال جنَّة الخُلْدِ بُرْجُ بَابل
دُرٌّ زهرة ناضرة نار مُوقَدة البدر المتألِّق
(7)
كوِّن تشبيهات بليغةً يكون فيها كلٌّ مما يأْتي مشبهاً:
اللسان – المال – الشرف – الأبناء – الملاهي – الذليل - ا لحسد - التعليم
(8)
اشرح قول ابن التعاويذي بإيجاز في وصف بِطِّيخَة وبيِّن أنواع الشبيه فيه:
حُلْوةُ الريق حلاَلٌ دمُها فِي كلِّ مِلَّة
نِصفُها بدْرٌ وإِنْ قسَّم ـمْتها صَارت أهِلَّة
(9)
وازن بين قوليْ أَبى الفتح كُشاجم [47] في وصف روضتين ثم بيِّن نوع كل تشبيه بهما:
1. ورَوْض عنْ صنِيعِ الغيثِ رَاض كما رَضىَ الصَّدِيق عَنِ الصَّدِيقِ
2. يُعِير الرِّيح بالنَّفَحات رِيحاً كأَنَّ ثَراهُ مِنْ مِسْك فَتِيق [48]
3. كأَنَّ الطَّلَّ مُنْتشِراً علَيْهِ بقايا الدَّمْعِ في الْخَدِّ الْمشُوق
* * *
1. غَيثٌ أَتانا مُؤْذِناً بالخَفْضِ مَتَّصِل الْوَبْل سريعُ الرَّكض [49]
2. فالأَرْضُ تُجْلى بالنَّباتِ الغَضِّ في حليها المُحْمرِّ والمُبْيَضِّ [50]
3. وأَقْحوان كاللجيْن المحْضِ ونرْجس زَاكِي النَّسِيمِ بضِّ [51]
4. مِثْلِ العُيُون رُنِّقَت لِلْغمْضِ تَرْنو فيغشاهَا الْكرى فتُغضى [52]
(10) صف بإيجاز ليلة مُمْطِرَة، وهاتِ في غضون وصفك تشبيهين مرسلين مجملين، وآخرين بليغين..
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البهيم: المظلم.
(2) هو الشاعر المشهور صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب، كان إذا أتى بمعنى لا يتركه حتى يستوفيه، وقد توفى سنة 283هـ.
(3) السنة: النعاس.
(4) جلته: صقلته، والضراب: الذي يطبع النقود.
(5) تجتليك: تنظر إليك.
(6) أزمعت: وطدت عزمك، والربا: الأراضي العالية.
(7) النشر: الراحة الطيبة، والغم: شجر له ثمر أحمر يشبه به البنان الخضوب.
(8) من الشبيه البليغ المصدر المضاف المبين للنوع نحو راغ روغان الثعلب، ومنه أيضاً إضافة الشبه به المشبه نحو لبس فلان ثوب العافية. ولا ستيفاء صور التشبيه الذي لم تذكر فيه الأداة انظر هامش صفحة 46.
(9) المعنى أن السيوف لا تفيد إذا لالتقي الجيشان إلا إذا جردها شجعان لهم قلوب قوية صلبه كصلابة السيوف.
(10) إن السيف القاطع يصير كالجبان إذا استعمله الجبان.
(11) زانتنا خلع الأمير بوشيها ونضارتها كما زينت السماء أرضه بالنبات ولم نقض حق الثناء عليه.
(12) المشرفية: السيوف، والخميس: الجيش، والعرموم: الكثير، أي أن سيف الدولة إذا بعث إلى أعدائه يدعوهم إلى الطاعة جعل كتبه إليهم السيوف، والرسل الحاملة لهذه الكتب الجيوش.
(13) استكفت: استعانت، والملمة: النازلة من نوازل الدهر، أي إذا استعانت الدولة به كان سيفاً لها على أعدائها، وكفاً تضرب بها بذلك السيف، وقلباً تجترئ به على اقتحام الأهوال.
(14) رابضاً: مقيماً وساكناً.
(15) أي أن ذكرك بين الناس ليس به ما يشين، فهو كصحيفة الطاهرين الأتقياء لم يدون بها إلا حسنات.
(16) الجواري: السفن، والأعلام: الجبال.
(17) أي كأنهن جذور نخل خالية الجوف.
(18) لشجرة الطيبة: كل شجرة مثمرة طيبة الثمار كالنخلة وشجرة العين.
(19) تؤتي أكلها كل حين: أي تثمر دائماً في مواعيد إثمارها.
(20) جتثت: قطعت.
(21) القرار: الاستقرار والثبات.
(22) المشكاة: فتحة في الحائط غير نافذة، والمراد الأنبوبة التي تجعل فيها الفتيلة ثم توضع في القنديل.
(23) دري: منسوب إلى الدر لفرط ضيائه وصفائه.
(24) لا شرقية ولا غربية: أي لا يتمكن منها حر ولا برد.
(25) يريد أن النور الذي شبه به الحق نور نتضاعف قد تناصر فيه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت حتى لم تبق بقية مما يقوى النور.
(26) الهزة: النشاط والارتياح.
(27) هو الشاعر الأديب سبط بن التعاويذي، جمع شعره بين جزالة الألفاظ عذوبتها، ورقة المعاني ودقتها، وله ديوان شعر جمعه بنفسه، وتوفى ببغداد سنة 584هـ، وعمى قبل موته بخمس سنين.
(28) زمجر: رعد.
(29) السرى الرفاء: كان في صباه يرفو ويطرز بد كان بالموصل، وكان مع ذلك يتعلق بالأدب وينظم الشعر، ولم يزل كذلك حتى جاد شعره، وكان عذب الألفاظ كثير الافتنان في التشبيه والوصف،ومات ببغداد سنة 360هـ.
(30) مفتولة مجدول: أي محكمة، والقد: القامة، الأسل: الرماح.
(31) الزمام: حبل تقاد به الدابة.
(32) الإخذام: القطع، والإرهام: دوام سقوط المطر.
(33) الملك: واحد الملائكة، والفلك: مدار الشمس، أي أن شعرى أعلى من سائر الشعر.
(34) أي أن خيال الكواكب ظهر فوق الماء الذي يغطي هذه البرك.
(35) أي بعدت بفضلك وعلو منزلتك عن أن تشبه الناس.
(36) استهل الغمام: انصب. مطروا بشدة وصوت، والريق من الكيل شيء أوله، والمعني: لو لم ينزل المطر بهذه الأرض لقمت مقام الغمام في إحيائها.
(37) المنجل: آلة من الحديد معوجة يقطع بها الزرع.
(38) الحمية الوقاية والابتعاد.
(39) يقصد بطفولة الليل أوله، وعنفو الشباب وعنفوانه أوله.
(40) الزنج وتكسر للزاي: جبل من السودان واحدهم زنجي، والجمان: حب من الفضة كاللؤلؤ.
(41) ركبوا الدياجي: أي ركبوا الخيل السود، والأسنة: أطراف الرماح.
(42) لدجي: ظلام الليل، والغلس: ظلام آخر الليل.
(43) الإيماض: اللمعان، والبوارق: حمع بارق وهو البرق، والعجاج: الغبار.
(44) المرتقى: موضع الارتقاء، وفي ذلك إشارة إلى رفعة المحسود وضعة الحاسد.
(45) الشق بكسر الشين: الجانب، وقد يطلق على النصف من كل شيء.
(46) جمع قلعة وهي الحسن.
(47) شاعر مفتن مطبوع ومنشيء بارع، كان يعد ريحانة الأدب في زمانه، أقام بمصر مدة فاستطابها وله تصانيف عدة، وتوفى سنة 330هـ.
(48) المسك الفتيق: ما مزج بغيره لتظهر رائحته.
(49) الحفض: الدعة وهناءة العيش، والركض: الجرى.
(50) الغض: الناضر الطري، الحلى: ما يتزين به.
(51) الأقحوان: نبت من نبات الربيع طيب الرائحة أبيض النور في وسطه دائرة صغيرة صفراء، وأوراق زهره مفلجة صغيرة، يشبهون بها الأسنان، واحدته أقحوانه والجمع أقاحي، والمحض: الخالص، والزاكي: الطاهر النقي، والبض: الطرى الرخص. (2)
(52) رنقت: أخذت تميل للنعاس، والغمض: الكرى والنوم، والإغضاء: انطباق الجفنين. (3)




أقسام التشبيه تمرينـات
(1) بيِّن المشبه ,المشبه به فيما يأتي:
(1) قال ابن المعتز يصف السماءَ بعد تقشُّع سحابة:
كأَن سماءَنا لما تَجَلَّتْ خِلالَ نُجُومهَا عِندَ الصباح
رِياضُ بنَفْسجٍ خضِلٍ نَدَاه تَفَتَّح بيْنهُ نَوْرُ الأَقاحى [1]
(2) وقال ابن الرومى:
ما أنْس لا أنس خَبَّازًا مَرَرْتُ به يدْحُو الرُّقاقَة وشْكَ اللمْح بالبصر [2]
ما ببْنَ رُؤيتهَا في كَفِّهِ كُرَةً وبَيْنَ رُؤيتِهَا قَوْراءَ كالقَمِر [3]
إِلا بمقدَار ما تَنْدَاحُ دائِرةٌ في صفْحَةِ الماءِ تَرْمى فِيهِ بالحجر [4]
(3) وقال في المشيب:
أوَّلُ بدْءِ المشيبِ وَاحِدةٌ تُشعِلُ ما جاوَرَتْ منَ الشعَر
مِثلُ الحريق العَظِيم تَبْدؤه أولُ صوْلٍ صغيرَةُ الشَّرَر [5]
(4) وقال آخر:
تقَلَّدتْني الليالي وهْي مُدْبِرةٌ كأَنَّني صَارِمٌ في كَفِّ مُنْهَزِم [6]
(5) قال تعالى: { إِنَّما مثلُ الحياة الدُّنْيا كَماءٍ أنْزلنَاهُ مِنَ السماءِ فَاختَلَطَ بهِ نَباتُ الأَرْض مِمَّا يأْكُلُ الناسُ والأنْعَامُ حتَّى إِذَا أخَذَتِ الأًرضُ زُخْرُفَهَا وازَّيَّننَتْ وظَنَّ أهْلُهَا أنَّهُمْ قَارُونَ عَلَيهَا [7] أتَاها أمْرُنَا [8] لَيْلاَ أو نهَارًا فجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا [9] كأنْ لَمْ تَغْنَ بالأمْس [10] }.
(6) وقال صاحب كليلة ودمنة:
يبْقَى الصَّالحُ من الرجال صالحاً حتى يُصاحِبَ فاسِدًا فإذا صاحبه فسد، مثل مياه الأَنهار تكون عذْبةً حتى تُخَالِط ماءَ البحر فإذا خالطته مَلحتْ. وقال: من صَنَعَ معروفاً لِعاجِل الجزاءِ فهو كَمُلْقِى الحب للطير لا لِيَنْفَعها بل لِيصِيدَها به.
(7) وقال البحترى:
وجدْتُ نَفْسك مِنْ نَفسي بمنزلة هيَ الْمُصافاةُ بَين الماءِ والرَّاحِ [11]
(8) وقال أبو تمَّام في مُغَنِّيَةٍ تُغنى بالفارسية:
وَلَمْ أفْهَم مَعانِيهَا ولكن ورتْ كَبدِى فَلَمْ أَجْهل شجاها [12]
فبتُّ كأنَّني أعْمَى مُعنًّى يحبُّ الغانِياتِ ولا يراها [13]
9) وقال في صديق عاقّ:
إنّي وَإِيَّاكَ كالصادى رَأى نَهَلاً ودُونَهُ هُوَّةٌ يخشَى بها التَّلَفَا [14]
رأى بعَيْنَيهِ ماءً عَزَّ مَورِدهُ ولَيْسَ يمْلِكُ دون الماءِ مُنْصرفَا
(10) { مثَلُ الَّذين يُنْفِقُونَ أمْوالَهُمْ في سبيل اللهِ كَمَثَل حبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ واللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَالله واسِعٌ عَلِيم }.
(11) وقال تعالى: { اعْلَمُوا أنَّما الحياةُ الدُّنْيا لعِبٌ وَلهْوٌ وزِينَةٌ وتَفاخُرٌ بينكُمْ وتَكاثُرٌ في الأمْوالِ والأوْلادِ كَمثل غَيْثٍ [15] أعْجب الكُفَّار [16] نباتهُ ثُم يَهِيج فتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يكُون حُطاماً [17] وفِي الآخِرة عذَابٌ شَدِيدٌ ومغْفِرَةٌ مِن اللهِ ورِضْوانٌ ومَا الْحياةُ الدُّنْيا إلاَّ متَاعُ الغُرُورِ }.
(12) وقال تعالى: { والَّذِين كفرُوا أعْمالهُمْ كَسرابٍ [18] بقِيعةٍٍ [19] يحْسَبُهُ الظمآنُ ماءً حتَّى إذَا جاءَه لَمْ يجِدْهُ شَيْئاً ووجدَ الله عِنْدَهُ فوفَّاه حِسابَهُ واللهُ سرِيعُ الْحِسابِ. أوْ كظُلُماتٍ فِي بحْرِ لُجِّىٍّ [20] يغْشاه [21] موجٌ مِنْ فوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوقِهِ سحابٌ ظُلماتٌ بعْضُها فوْق بعْضٍ [22] إِذا أخْرج يدَهُ لَمْ يَكَدْ يرَاهَا ومنْ لَمْ يجْعل اللهُ لَه نُورًا فَما لَهُ مِنْ نور [23] }.
(2) ميِّز تشبيه التمثيل من غيره فيما يأتي:
(1) قال البوصيرى [24] :
والنَّفْس كَالطِّفْل إِنْ تُهمِلْه شبَّ على حُب الرَّضاعِ وإن تفْطِمْهُ ينْفَطِم
(2) وقال في ويصف الصحابة:
كأَنَّهمْ فِي ظُهُور الخيْلِ نَبتُ رُباً مِنْ شِدَّةِ الحَزْم لا مِنْ شِدَّةِ الحُزُم [25]
(3) وقال المتنبي في وصف الأَسد:
يطأُ الثَّرى مُتَرَفِّقاً مِنْ تِيهِهِ فكأَنه آسٍ يَجُسُّ عَلِيلا [26]
(4) وقال في وصف بحيرة في يسط رياض:
كأَنها فِي نهارِها قَمَرٌ حفَّ بِهِ مِنْ جِنَانِها ظُلَمُ [27]
(5) وقال الشاعر:
رُب ليْلٍ قَطَعْتهُ كصدُودٍ وفِرَاقٍ ما كانَ فِيهِ وَداعُ
موحِشٍ كالثَّقِيلِ تَقْذَى به العيْـ ـنُ وتَأْبى حدِيثَه الأسْماعُ [28]
(6) وقال تعالى: { مثلُ الَّذِين اتّخَذُوا مِنْ دونِ اللهِ أوْلِياءَ كمثَلِ العنْكُبُوتِ اتَّخَذَتْ بيتاً وإنَّ أوْهنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العنْكبُوتِ لو كانُوا يعْلَمونَ }.
(7) وقال ابن خَفاحة [29] :
للهِ نَهْرٌ سال في بَطْحاءِ أَحْلَى وُرُودًا مِن لَمَى الحَسْناءِ [30]
مُتعطِّفٌ مِثلُ السِّوَار كأَنَّهُ والزهْرُ يكنُفُه مجرُّ سماءِ [31]
(8) وقال أعرابي في صف امرأَة:
تَلكَ شمسٌ باهتْ بها الأَرض شمسَ السماءِ
(9) وقال تعالى: { فما لهُمْ عن التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِين، كأَنهُمْ حُمُرٌ مستنفِرةٌ فَرَّت مِنْ قَسوَرَة} [32]
(10) وقال الشاعر:
في شجَر السرْو مِنْهُم مثلٌ له رُواءٌ وما له ثَمر [33]
(11) وقال التهامي [34] :
فالعيْش نضوْمٌ والمنِيَّة يقظَةٌ والمرْءُ بينهما خيالٌ سار
(12) وقال آخر في وصف امرأَة تبْكي:
كأَنَّ الدُّموعَ على خدَّها بقِيَّةُ ظلّ على جُلَّنَارْ [35]
(13) وقال تعالى: { واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبأَ الّذِي آتَيْناهُ آياتِنا [36] فَانْسلَخ مِنْها [37] فأَتْبَعَهُ ا لشَّيطانُ فكانَ مِن الغاوِين. ولَوْ شِئنَا لَرفعناه بِها وِلَكِنَّه أَخْلَدَ إِلَى الأَرضِ [38] واتَّبعَ هواهُ فمثَلُهُ كَمَثَل الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عليْهِ [39] يلْهثْ [40] أَو تتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِك مثَلُ القْوْم الَّذِين كذّبوا بآياتِنا فاقصُصِ القصَصَ لَعَلَّهُم يتفكَّرونَ } .
(14) وقال تعالى: { مثلُهُمْ كَمثَلِ الَّذي اسْتَوْقَد نَارًا [41] فلمَّا أَضَاءَت ما حوْلَهُ ذهَبَ اللهُ بنورِهمْ وتركَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [42] . أَو كَصيِّبٍ [43] مِنَ السَّماءِ فيهِ ظُلُماتٌ ورَعْدٌ وبرْق يجْعلُون أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ مِن الصَّواعِقِ حَذَرَ الْموْتِ واللهُ محيطٌ بِالْكافرين. يَكادُ البَرْقُ يخْطَفٌ أَبْصارَهمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مشَوْا فِيعِ وإِذَا أَظْلَمَ علَيْهِمْ قَامُوا [44] ولَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهب بِسمْعِهِمْ وأَبْصارهِمْ إِنَّ الله على كلِّ شيءٍ قَدِيرٌ }.
(15) وقال أبو الطَّيب:
أَغارُ مِنَ الزُّجاجةِ وهْي تجْرِي على شفةِ الأَمِير أِبي الحُسَيْن [45]
كأَن بَياضها والراح فِيهَا بياضٌ مُحْدِقٌ بسوادِ عيْنِ [46]
(16) وقال السرىُّ الرَّفَّاء:
والتَهبثْ نارُها فَمنْظَرها يغْنيك عن كُلِّ منظَرٍ عجَبَ
إِذا ارْتَمَتْ بالشَّرَار واطَّرَدت على ذراها مَطارفُ اللهَب [47]
رأَيْتَ يَاقوتة مُشبَّكة تطير عنْها قُرَاضَةُ الذهب [48]
(17) وقال في وصف دولاب [49] :
اُنْظُرْ إِلَيْهِ كأَنَّه وكأَنما كِيزَانُه والمَاء مِنْها ساكِبُ
فَلكٌ يَدُورُ بأَنْجُمٍ جُعِلَتْ لهُ كالعِقْدِ فَهْي شوارقٌ وغواربُ
(3) اجعل كلاًّ مما يأْتي مشبهاُ في تشبيه تمثيل:
(1) جيشٌ منهزم يتْبَعهُ جيش ظافر.
(2) الرجل العالم بين من لا يعرفون منزلته.
(3) الحازم يعمل في شبابه لِكبره.
(4) السفينة تجْرى وقد تَرَكَتْ وراءَها أَثرًا مستطيلا.
(5) المذنب لا يزيدُه النُّصح إِلا تمادياً.
(6) الشمس وقد غَطاها السحاب إِلا قليلا.
(7) الماء وقد سطعتْ فوقه أَشعة الشمس وقت الأصِيل [50] .
(8) المتردد في الأُمور يَجْذِبُه رَأىٌ هنا ورأْى هناك.
(9) الكلِمة الطيبة لا تُثْمر في النفوس الخبيثة.
(10) المريض وقد أحسَّ دبيبَ العافية بعد اليأْس.
(4) اجعل كلاًّ مما يأْتي مشبهاُ به في تشبيه تمثيل:
(1) الشعلة إِذا نُكِسَت زادت اشتعالا.
(2) الشمس تحْتجِب بالغمام ثم تظهر.
(3) الماءُ يُسرعُ إلى الأَماكن المنخفضة ولا يصل إلى المرتفعة.
(4) الجزار يطعم الغنم ليذبحها.
(5) الأَزهار البيضاء في مروج خضراء [51] .
(6) الجدْوَل لا تسمع له خريرًا وآثارُه ظاهرة في الرياض.
(7) الماء الزلال في فم المريض.
(8) القمر يبدو صغيراً ثم يصير بدراً.
(9) الريح تُميلُ الشجيرات اللدْنَة وتقْصِف الأَشجار العالية [52] .
(10) الحَمَلُ بين الذئاب [53] .
(5) اجعل كل تشبيهين مما يأْتي تشبيه تمثيل:
1- الأَسنة كالنجوم. 5- الناس كركاب السفينة.
2- القتَام [54] كالليل. 6- الحوادث كبحر مضطرب.
3- القمر كوجه الحسناء. 7- الشَّيب كالصبح.
4- البحيرة كالمرآة. 8- الشعر الفاحم كالليل [55] .
(6) اشرح قول مسلم بن الوليد [56] وبين ما فيه من حُسْن وروعة:
وإِنِّي وإِسْمَاعيل يَوْم وفاتِه [57] لكالغمْد يوْم الرَّوْعِ فارَقهُ النّصْلَ
(7) صف بإِيجاز حال قوم اجتَرف سيلٌ قريتَهم واعْملْ على أَن تأْتي بتشبيهيْ تمثيل في وصفك.
فإِنْ أَغْشَ قوْماً بعْدَه أَو أَزُرْهم فكالْوحْش يُدْنيها من الأَنسِ المَحْلُ [58]
(4) التَّشْبيه الضمني
الأَمثلة:
(1) قال أَبو تمّام:
لاَ تُنْكِرِي عَطَلَ الْكَريم مِنَ الْغِنَى فالسَّيْلُ حرْبٌ لِلْمكانِ الْعالِي [59]
(2) وقال ابن الرومي:
قَدْ يَشِيب الْفَتَى وَلَيْسَ عجيباً أَنْ يُرَى النَّورُ في الْقَضِيبِ الرَّطيبِ
(3) وقال أَبو الطيب:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُل الْهَوَانُ عٌليهِ ما لِجُرْحٍ بمَيِّتٍ إِيلام
البحث:
قد يَنْحو الكاتب أو الشاعر منْحى من البلاغة يوحي فيه بالتشبيه من غير أن يُصرِّح به في صورة من صوره المعروفة [60] ، يفعل ذلك نُزوعاً إلى الابتكار، وإِقامة للدليل على الحكم الذي أَسنده إلى المشبه، ورغبةً في إخفاء التشبيه، لأَن التشبيه كلما دقَّ وخَفَى كان أبلغ وأفعل في النفس.
اُنظر بيت أبى تمام فإنه يقول لمن يخاطبها: لا تستنكرى خلوَّ الرجل الكريم من الغنى فإن ذلك ليس عجيباً لأَن قِمَمَ الجبال وهي أشرف الأَماكن وأعلاها لا يستقر فيها ماءُ السيل. ألم تلمح هنا تشبيهاً؟ ألم تر أنه يشبه ضِمْناً الرجل الكريم المحروم الغِنى بِقمّة الجبل وقد خلت من ماء السيل؟ ولكنه لم يضَعْ ذلك صريحاً بل أتى بجملة مستقلة وضمنها هذا المعنى في صورة برهان.
ويقول ابن الرومي: إنَّ الشابَّ قد يشيب ولم تتقدم به السن، وإن ذلك ليس بعجيب فإن الغصن الغض الرطب قد يظهر فيه الزهر الأَبيض. فابن الرومي هنا لم يأْت بتشبيه صريح فإنه لم يقل: إِن الفتى وقد وَخَطَهُ الشيب كالغصن الرطيب حين إزهاره، ولكنه أتى بذلك ضمنًا.
ويقول أبو الطيب: إنَّ الذي اعتادَ الهوان يسهلُ عليه تحملهُ ولا يتأَلم له، وليس هذا الادعاءُ باطلاً؛ لأَن الميت إذا جُرحَ لا يتأَلم، وفي ذلك تلميح بالتشبيه في غير صراحة.
ففي الأبيات الثلاثة تجِدُ أركان التشبيه وتَلْمحُهُ ولكنك لا تجدُه في صورة من صوره التي عرفتها، وهذا يسمى بالتشبيه الضمني.
القاعدة
(9) التشبيهُ الضِّمنيُّ: تشبيهٌ لا يُوضعُ فيه الْمُشَبَّهُ والمشبَّهُ بهِ في صورةٍ من صُور التشبيه المعروفةِ بَلْ يُلْمَحان فِي الترْكِيبِ. وهذا النوع يُؤْتَى به لِيُفيدَ أن الحُكم الذي أُسْنِدَ إلَى المشَبَّه مُمكنٌ.
نَمُوذَجٌ
(1) قال المتنبي:
وأَصبح شِعْرِي منهما في مكانه وفي عنُقِ الحْسَناء يسْتحْسَنُ العِقْد [61]
(2) وقال:
كَرَمٌ تَبَيِّن فِي كلامِك مَائلاً ويبين عِتقُ الخيل من أصوَاتِها [62]
الإجابة
تمرينات
(1) بيِّن المشبَّه والمشبه به ونوع التشبيه فيما يأْتي مع ذكر السبب:
(1) قال البحتري:
ضَحوكٌ إِلى الأَبطال وهْوَ يَروعُهم وللسَّيفِ حدٌّ حين يسْطُو وروْنَقُ [63]
(2) وقال المتنبي:
ومن الْخَيْرِ بطءُ سَيْبِكَ عنِّي أَسْرَعُ السُّحْبِ في المسِيرِ الْجهَام [64]
(3) وقال:
لاَ يُعْجِبَنَّ مَضِيماً حُسنُ بِزّتِه وهلْ يروق دَفيناً جوْدة الكَفَن [65]
(4) وقال:
ومَا أَنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهمْ وَلكِنْ معْدِن الذهبِ الرَّغامُ [66]
(5) وقال أَبو فراس:
سَيذْكُرني قَوْمي إِذا جدّ جِدُّهمْ وفي اللَّيْلَة الظَّلْماءِ يٌفْتَقَدُ الْبَدْر [67]
(6) تَزْدَحِمُ القُصَّادُ في بابِهِ والمنْهلُ العَذْبُ كثيرُ الزحام
(2) بين التشبيه الصريح ونوعه والتشبيه الضمني فيما يأْتي:
(1) قال أبو العتاهية [68] :
تَرْجو النَّجاةَ ولَمْ تَسلك مسالِكَها؟ إِنَّ السَّفينَةَ لا تجْري على اليَبَس
(2) فال ابن الرومى في وصف المِدَاد:
حِبْرُ أَبي حفْصٍ لُعابُ الليل كأَنَّه أَلْوانُ دهْمِ الخَيْلِ [69]
يجرِى إلى الإخْوانِ جرْى السَّيْل بغيْرِ وَزْنٍ وبِغيْرِ كَيْل
(3) قال الشاعر:
ويْلاَهُ إِنْ نظَرتْ وإِنْ هي أَعْرضتْ وقَعُ السِّهام ونَزْعُهُن أَلِيمُ
(4) المؤمن مِرآة المؤمن.
(5) وقال البحترى في وصف أَخلاق ممدوحه:
وقَدْ زادهَا إِفْرَاط حُسْن جِوارُها خلائِقَ أَصْفَار مِنَ المَجْدِ خُيَّبِ [70]
وحُسْنُ دَرارِئِ الكَواكِب أَنْ تُرى طوالِعَ في داجٍ مِن الليْل غَيْهَب [71]
(3) حوّل التشبيهات الضمنيةَ الآتية إلى تشبيهات صريحة:
(1) قال أبو تمام:
اصْبرْ على مَضَض الحسُو د فإِنَّ صبْركَ قاتِلُه [72]
النار تأْكل بَعْضها إن لَم تجد ما تأْكلهْ
(2) وقال:
لَيْس الْحِجابُ بمقْصٍ عنك لي أَملاً إِنَّ السَّماءَ تُرجَّي حين تحتَجِب [73]
(3) وقال أبو الطيب:
فإِنْ تَفقِ الأَنام وأَنت مِنْهمْ فإِنَّ المسْكَ بعْضُ دمِ الغَزال [74]
(4) وقال:
أَعْيا زَوالك عنْ محلٍّ نِلْتَه لا تخْرُجُ الأَقمارُ عنْ هالاتها [75]
(5) وقال:
أَعاذِك اللهُ مِن سِهامِهم ومضئُ منْ رميُّهُ الْقمرُ [76]
(6) وقال:
لَيْس بالمنْكَر أَنْ برَّزْتَ سبْقاً غيْر مدْفُوع عن السَّبْق الْعِرابُ [77]
(4) حوِّل التشبيهات الصريحة الآتية إلى تشبيهات ضمنيَّة.
(1) قال مسلم بن الوليد في وصف الراح وهي تُصَبُّ من إِبريق:
كأَنَّها وَحبابُ الماءِ يقْرَعُها دُرٌّ تَحدَّر في سِلكٍ مِنَ الذَّهَب [78]
(2) قال ابن النبيه [79] :
والليل تَجْرى الدَّرارى في مجَرَّتِه كالرّوْض تطْفو على نهرٍ أَزاهِره [80]
(3) وقال بشار بنَ بَرْد [81] :
كأنَّ مُثارَ النَّقعِ فَوْق رُؤوسِنا وأسْيافنا ليلٌ تهاوى كواكِبُهْ [82]
(5) كوِّن تشبيهاً ضمنيًّا من كل طرفين مما يأْتي:
(1) ظهور الحق بعد خفائه وبروز الشمس من وراء السحب.
(2) المصائب تظهر فضل الكريم والنار تزيد الذهب نقاءَ.
(3) وعد الكريم ثم عطاؤُه والبرق يعْقُبه المطر.
(4) الكلمة لا يستطاع ردها والسهم يخرج من قوسه فيتعذر رده.
(6) هات تشبيهين ضمنيين، الأَول في وصف حديقة، والثاني في وصف طيارة.
(7) اشرح قول أَبي تمام في رثاء طفلين لعبد الله بن طاهر [83] وبيِّن نوع التشبيه الذي به:
لهفي على تِلكَ الشَّواهِد منهما لَو أُمْهلَتْ حَتى تكونَ شمائِلا [84]
إن الهلالَ إِذا رأيت نمُوَّه أيقَنْتَ أَنْ سَيَصِيرُ بَدْرًا كاملا
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الخضل: الرطب، يقول: بعد أن انقشعت هذه الغمامة صارت السماء بين النجوم المنتثرة وقت الفجر كرياض من البنفسج المبتل بالماء تفتحت في أثنائه أزهار الأقاحي.
[2] دحو: يبسط، وشك اللمح: أي في سرعة اللمح. واللمح: اختلاس النظر.
[3] القوراء: المستديرة.
[4] تنداح: تنبسط وتتسع
[5] الصول: مصدر صال يصول بمعنى وثب وسطا.
[6] الصارم: السيف القاطع.
[7] متمكنون من تثميرها.
[8] أتاها أمرنا: أي اصبناها بآفة تهلك زرعها.
[9] الحصَيد: ما يحصد من الزرع، والمراد جعل زرعها يابساً جافاً.
[10] كأن لم تغن بالأمس: أي كأن لم يكن بها زرع.
[11] الراح: الخمر.
[12] ورت كبدى: ألهبته، والشجا مصدر شجى يشخى أي حزن، والمعنى لم أجهل ما بعثته في نفسى من الحزن.
[13] المعنى: المتعب الحزين.
[14] الصادى: الظمآن، والمراد بالنهل هنا مورد الماء، والهوة: ما انهبط من الأرض.
[15] الغيث: المطر
[16] الكفار: الزراع.
[17] الحطام: الشجر اليابس المفتت. يشبه الله سبحانه وتعالى الحياة الدنيا، وهي حياة اللعب واللهو والزينة والمباهاة بالأحساب والأنساب، بمطر أنبت زرعاً فنما حتى صار بهجة النفس وقرة العين، ثم أصابته آفة فاصفر ثم صار شجراً يابساً لا ينفع.
[18] السراب: هو ما يرى في الفلوات والصحاري عند شدة الحر كأنه ماء وليس به.
[19] القيعة: منبسط من الأرض.
[20] اللجي: العميق.
[21] يغشاه: يغطيه.
[22] ظلمات بعضها فوق بعض: هي ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر.
[23] ومن لم يجعل …. إلخ: أي من لم يهده الله فما له من هاد.
[24] البوصيري: كاتب شاعر متصوف حسن الديباجة مليح المعاني، وأشهر شعره البردة الهمزية،وقد نظمها في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوفى بالأسكندرية سنة696هـ وقبره بها مشهور يزار.
[25] أي أن ثباتهم فوق خيولهم ناشيء من قوة حزمهم وحيطتهم لا من إحكام أحزمة السروج.
[26] الثرى: الأرض، والتيه: الكبرياء. والأسي: الطبيب.
[27] حف به: أحاط، والجنان: جمع جنة وهي البستان.
[28] تقذي به: تتأذي به.
[29] شاعر من أهل الأندلس، تعفف عن استماحة ملوك الطوائف مع تهافتهم على الأدب وأهله، توفى سنة 533هـ.
[30] البطحاء: مسيل واسع فيه رمل وحصى، واللمى: سمرة في الشفتين.
[31] مجر السماء والمجرة: نجوم كثيرة لا تدرك بالبصر وإنما ينتشر ضوؤها فيري كأنه طريق بيضاء ملتوية.
[32] القسورة: الأسد والرماة من الصيادين، والواحد قسور.
[33] السرو: شجة حسن الهيئة قويم الساق، والرواء: الحسن.
[34] هو على بن محمد التهامي شاعر مشهور من تهامة، جاء مصر فاعتقل في سجن القاهرة وقبل سجيناً سنة 416هـ.
[35] الطل: أخف من الندي، الجلنار: زهر الرمان وهو أحمر.
[36] الذي آتيناه آياتنا: هو عالم من بني إسرائيل أعطى علم تعض كتب الله.
[37] فانسلخ منها: خرج من الآيات بأن كفر بها.
[38] أخلد إلى الأرض: مال إلى الدنيا وحطامها.
[39] إن تحمل عليه: تزجره وتطرده.
[40] يلهث: يخرج لسانه من النفس الشديد عطشاً أو تعباً.
[41] مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا: أي حال المنافقين في نفاقهم كحال الذي أوقدَ نارًا ليستضئ بها.
[42] لا يرجعون: أي لا يعودون إلى إلى سبيل الحق.
[43] أوكصيب، ا لصيب: المطر الشديد، والمراد أصحاب صيب نزل بهم، فالكلام على حذف مضاف.
[44] قاموا: وفقوا في مكانهم، وفي هذه الآيات تشبيه معجز لمن وقع في الحيرة والدهش.
[45] الأمير أبو الحسين: هو االحسين بن إسحاق التنوخي.
[46] الراح: الخمر، وأحدق به: أحاط.
[47] اطرد الشيء: تبع بعضه بعضاً. والذرا: جمع ذروة وهي أعلى الشيء، والمطارف: جمع متطرف أومُطرف وهو رداء من حرير.
[48] القرضة: فتات المعدن الذي يسقط منه بالقرض.
[49] الدولاب: آلة كالناعورة يستقى بها الماء (الساقية).
[50] الأصيل: من العصر إلى الغروب.
[51] المروج: جمع مرج وهو مرعي الدواب.
[52] اللدنة: اللبنة، تقصف:تكسر
[53] الحمل: الحروف.
[54] الفاحم: الأسود.
[55] القتام: الغبار.
[56] كان يلقب بصريع الغواني، وكان شاعراً متصرفاً في شعره، ويقال إنه أول من تعمد البديع في شعره، وهو من شعراء الدولة العباسية، وكانت وفاته سنة 208هـ.
[57] في رواية يوم وداعه، النصل: حديدة السهم والرمح والسيف والسكين.
[58] الأنس: مصدر أنس ضد توحش، والمحل: الجوع الشديد.
[59] العطل: الخلو من الحل.
[60] صور التشبيه المعروفة هي ما يأتي:
ما ذكرت فيه الأداة نحو الماء كاللجين. أوحذفت المشبه به خبر نحو الماء لجـين وكان الماء لحيناً. الأولية حال نحو سال الماء لحيناً. أومصدر مبين للنوع مضاف نحو صفا الماء صفاء اللجين. أو مضاف إلى المشبه نحو سال لجين الماء. أو مفعول به ثان لفعل من أفعال اليقين والرجحان نحو علمت الماء لجينا، أوصفة على التأويل بالمشتق نحو سال ماء لجين، أوأضيف المشبه إلى المشبه به بحيث يكون الثاني بياناً للأول نحو ماء اللجين أي ماء هو اللجين. أو بين المشبه بالمشبه به نحو جرى ماء من لجين.
[61] أي أصبح شعري في مدح الأمير وأبيه في المكان اللائق به لأنهما أهل الثناء فاستحسن وقعه فيهما كما يستحسن العقد في عنق الحسناء.
[62] يقول: من سمع كلامك عرف منه كرم أصلك كما يعرف الفرس العتيق الكريم من صهيله.
[63] يروعهم: يخيفهم ويفزعهم، ورونق السيف: بريقه.
[64] السيب: العطاء، والجهام: السحاب لا ماء فيه. يقول: بطء وصول عطائك خير لي ويقيم ا لبرهان.
[65] المضيم: المظلوم، والبزة: اللباس، وراقه الشيء: أعجبه.
[66] الرغام: التراب، والمقصود في البيت أنه ليس مشابهاً للناس الذين يعيش بينهم.
[67] جد جدهم: أي اشتد بهم الأمر وحل بهم الكرب، ويفتقد: يطلب عند غيبته.
[68] هو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم، ولد ونشأ بالكوفة سنة 130هـ، وكان شعره سهل اللفظ كثير المعني قليل التكلف وأكثر شعره في الزهد والأمثال، توفى سنة 211هـ.
[69] دهم: جمع أدهم وهو الأسود.
[70] الصفر مثلثة الصاد: الخالي.
[71] الدرارئ بالهمزة ويسهل: النجوم العظام التي لا تعرف أسماؤها، والغيهب: المظلم.
[72] المضض: وجع المصيبة.
[73] يقصد بالحجاب هنا احتجاب الأمير الممدوح عن قصاده، وتحتجب: تختفي عن الناس بالغمام.
[74] يقول لا عجب أن فضلت الناس وأنت واحد منهم؛ فإن بعض الشيء قد يفوق جملته كالمسك فإنه بعض دم الغزال وهو يفضله.
[75] يقول: تعذر انتقالك نمن المنزلة السامية التي نلتها، والهالة: دائرة من شعاع تحيط بالقمر.
[76] أعاذك الله: حفظك، والرمي: المرمى يقول : إن من يرمى القمر بسهم مخطئ لا محالة؛ لأنه أرفع محلا من أن يبلغه سهم راميه.
[77] برز: سبق أصحابه، وسبقا مفعول مطلق مرادف أو حال بمعنى سابقاً، والعراب: الخيل العربية.
[78] حباب الماء: فقاقيعه التي تطفو.
[79] هو شاعر منشئ من أهل مصر، مدح الأيوبيين، وتولي ديوان الإنشاء للملك الأشرف موسى، ورحل إلى نصيبين فتوفى فيها سنة 619هـ.
[80] المجرة: نجوم كثيرة لا ترى، ويرى ضوؤها في انبساط واعوجاج.
[81] كان شاعراً مشهوراً، أجمعت الرواة عل تقدمه طبقات المحدثين المجيدين من الشعراء، وهو من شعراء الدولتين الأموية والعباسية، تؤفى سنة 167هـ.
[82] النقع: الغبار، وتهاوى أصله تتهاوى: أي تتساقل. والشاعر يصف قومه في ساعة القتال.
[83] هو أمير خراسان، ومن أشهر الولاة في العصر العباسي، ولد سنة 182ء وتوفى بنيسابور سنة 230هـ وكان من أكثر الناس بذلا للمال مع علم ومعرفة وتجربة.
[84]
يقصد بالشواهد دلائل النبل والنبوغ، والشمائل جمع شمال وهو الطبع.





(5) أغراض التشبيه
الأمثلة:
(1) قال البحترى:
دَانٍ إلى أَيْدِى العُفاةِ وشَاسِعٌ عَنْ كلِّ نِدٍّ في النَّدى وضَريب
كالْبَدْر أفرَطَ فِي العُلُوِّ ضَوْؤُهُ لِلْعُصْبَةِ السَّارِينَ جِدُّ قَرِيبِ.
* * *
(2) يقال النَّابغة الذُّبْيانيُّ [1] :
كأنك شمْس والمُلوكَ كَواكِبٌ إذَا طَلَعَت لَمْ يَبْدُ مِنْهُنَّ كَوْكَبُ
* * *
(3) قال المتنبي في وصف أسد:
مَا قوبلَتْ عَيناه إِلا ظُنَّتا تَحتَ الدُّجَى نارَ الْفَريق حُلولا [2]
* * *
(4) وقال تعالى:
{ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونهِ لا يَسْتَجيبُونَ لَهُمْ بشَيءٍ إلا كَبَاسِطِ كفَّيْهِ إِلَى الْمَاءَ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ ببَالِغِهِ }.
* * *
(5) وقال أَبو الحسن الأَنبارىّ [3] في مصلوب:
مَدَدْتَ يَدَيْكَ نَحْوَهُمُ احتِفاءً كَمَدّهِماَ إِلَيْهِمْ بالهباتِ [4]
* * *
وقال أَعرابي في ذم امرأَته:
وتَفْتَحُ – لا كانتْ – فماً لَو رَأَيْتَهُ توَهَّمْتَهُ باباً مِنَ النَّار يُفْتَحُ
البحث:
وصف البحتري ممدوحه في البيت الأول بأَنه قريب للمحتاجين، بعيدُ المنزلة، بينه وبين نُظَرَائه في الكرم بَوْنٌ شاسع. ولكن البحتري حينما أَحس أَنه وصف ممدوحه بوصفين متضادين، هما القُرب البُعد، أَراد أَن يبين لكل أَن ذلك ممكن، وأن ليس في الأمر تناقض؛ فشبَّه ممدوحه بالبدر الذي هو بعيد في السماء ولكنَّ ضوءَه قريب جداً للسائرين بالليل، وهذا أَحر أَغراض التشبيه وهو بيان إِمكان المشبَّه.
والنَّابغة يُشبِّه ممدوحه بالشمس ويشبِّه غيره من المكلوك بالكواكب، لأَن سطوة الممدوح تَغُضُّ من سطوةِ كل ملك كما تخفِي الشمس الكواكب فهو يريد أَن يبين حال المدوح وحال غيره من الملوك، وبيان الحال من أَغراض التشبيه أَيضاً.
وبيت المتنبي يصف عيْني الأَسد في الظلام بشدة الاحمرار والتوقد حتى إِن من يراهما من بُعْدٍ يظنهما ناراً لقوم حُلول مقيمين، فلو لم يعْمدِ المتنبي إِلى التشبيه لقال: إِنَّ عَيْنَي الأَسد محمرتان ولكنه اضْطْرَّ إِلى التشبيه لِيُبَيِّن مقدار هذا الاحمرإر عِظَمه، وهذا من أغراض التشبيه أيضاً.
أما الآية الكريمة فإنها تتحدث في شأن من يعْبدون الأوثان، وأنهم إذا دعوا آلهتَهم لا يستجيبون لهم، ولا يرجع إليهم هذا الدعاءُ بفائدة، وقد أراد الله جل شأْنه أن يُقرِّر هذه الحال ويُثَبتَها في الأَذهان، فشبَّه هؤلاء الوثنيين بمن يبسُط كفيه إلى الماء ليشرب فلا يصلى الماءُ إلى فمه بالبداهة؛ لأنه يَخْرُجُ من خلال أصابعه ما دامت كفاه مبسوطتين، فالغرض من هذا التشبيه تقرير حال المشبَّه، ويأْتي هذا الفرض حينما يكون المشبَّه أمرًا معنويًّا؛ لأَن النفس لا تجزم بالمعنويات جزمها بالحسيَّات فهي في حاجة إلى الإقناع.
وبيت أبى الحسن الأنبارى من قصيدة نالت شهرة في الأدب العربي لا لشيء إلا أنها حسّنت ما أجمع الناس على قبحه والاشمئزاز منه "وهو الصَّلْب" فهو يشبّه مدّ ذراعي المصلوب على الخشبة والناس حولَه بمدّ ذراعيه بالعطاءِ للسائلين أيام حياته، والغرض من هذا التشبيه التزيين، وأكثر ما يكون هذا النوع في المديح والرثاء والفخر ووصف ما تميل إليه النفوس.
والأعرابي في البيت الأخير يتحدث عن امرأته في سخط وألم، حتى إِنه ليدعو عليها بالحرمان من الوجود فيقول: "لا كانت"، ويشبِّه فمها حينما تفتحه بباب من أبواب جهنم، والغرض من هذا التشبيه التقبيح، وأكثر ما يكون في الهجاءِ ووصفِ ما تنفِر منه النفس.
القاعدة
(10) أَغْرَاضُ التشبيهِ كثيرةٌ [5] منها ما يأْتي:
(أ) بيانُ إِمْكان المشبَّه: وذلك حِينَ يُسْنَدُ إِليْهِ أمْر مُسْتغْرَبٌ لا تزول غرابتُه إلا بذكر شبيهٍ له.
(ب) بيانُ حالِهِ: وذلك حينما يكونُ المشبَّهُ غيرَ معروف الصفةِ قَبْلَ التشبيه فَيُفيدُهُ التشبيهُ الوصفَ.
(جـ) بيانُ مقدار حالِهِ: وذلك إذا كان المشبَّهُ معروفَ الصفةِ قَبْلَ التشبيهِ مَعْرفَةً إِجْماليَّةً وكان التشبيه يُبَيِّنُ مقدارَ هذه الصفةِ.
(د) تَقْريرُ حالِهِ: كما إذا كانا ما أُسْنِدَ إِلى المشبَّه يحتاج إِلى التثبيت والإِيضاح بالمثال.
(هـ) تَزْيينُ الْمُشَبَّهِ أو تَقْبيحُهُ.
نموذج
(1) قال ابن الرومي في مدح إسماعيل بن بُلْبُل:
وكم أَبٍ قَدْ علا بِابْنٍ ذُرَا شَرفٍ كَمَا علا بِرسولِ الله عَدْنَانُ
(2) وقال أبو الطَّيب في المديح:
كَأَنَّكَ بَحْرٌ والمُلُوكُ جَداوِلُ أرَى كلَّ ذِي جُودٍ إلَيْكَ مَصِيرُه
تمرينات
(1) بيِّن الغرض من كل تشبيه فيما يأتي:
(1) قال البحتري:
دنوْتَ تَواضُعاً وعَلَوت مجْدًا فَشأْناك انْخِفاض وارْتِفاعُ
كذَاك اَلشَّمْسُ تَبْعُدُ أَنْ تُسامي ويدْنُو الضوْءُ منها والشعاعُ
(2) قال الشريف الرضى [6] :
أُحِبكِ يا لوْن الشَّباب لأنني رأيْتُكما في القلْبِ والعينِ تَوْءَما [7]
سَكَنْتِ سوادَ القَلْب إِذ كنْتِ شِبههُ فلمْ أدر منْ عِزٍّ من القَلْبُ منْكما
(3) وقال صاحب كليلة ودمنة:
فضلُ ذي العلم وإِن أخفاه كالمسك يُسْتر ثم لا يَمْنَعُ ذلك رائحتَه أَن تفوح.
(4) وقال الشاعر:
وأصْبَحْتُ مِنْ لَيْلَى الغَداة كقابضٍ عَلَى الماءِ خانَتْه فُروجُ الأَصابع
(5) وقال المتنبي في الهجاء:
وإذا أشَارَ مُحدِّثاً فكأنَّه قِرْدٌ يُقَهقه أوْ عجوزٌ تلْطِمُ
(6) وقال السرِىّ الرَّفاء:
لي منزِلٌ كوِجار الضَّبِّ أَنزِلُهُ ضَنْكٌ تقَارَبَ قُطْراهُ فقدْ ضَاقا [8]
أَرَاهُ قالَبَ جِسمِي حين أدْخُلهُ فما أمُدُّ بِهِ رِجلاً ولا سَاقا
(7) وقال ابن المعتز:
غَدِيرٌ تُرجرِج أَمْواجَهُ هُبُوبُ الرِّياحِ ومرُّ الصَّبا [9]
إذا الشَّمسُ مِنْ فَوْقِهِ أَشرَقَتْ تَوَهَّمْتَه جَوْشَناً مُذْهَبا [10]
(8) وقال سعيد بن هاشم الخالدى [11] من قصيدة يصف فيها خادماً له:
ما هُو عَبْدٌ لَكنَّه وَلَدٌ خًوَّلَنيهِ المُهَيْمِنُ الصَّمَدُ
وشَد أَزرِي بحُسْن خِدْمته فَهْوَ يَدِي والذِّرَاعُ والعضُدُ
(9) وقال المعري في الشيب والشباب:
خَبِّرِيني مَاذَا كرهْتِ مِن الشَّيْـ ـبِ فَلاَ عِلْمَ لِي بِذَنْبِ الْمشِيبِ
أَضِياءُ النَّهارِ أِم وضَحُ اللؤْ لؤ أَمْ كوْنُه كثغْرِ الحبِيب؟ [12]
واذكُري لِي فَضْلَ الشبابٍ وما يجْـ ـمعُ مِنْ منْظَرٍ يَرُوقُ وطِيبِ
غدْرُهُ بِالخَلِيلِ أَم حُبُّه لِـ ـغَيِّ أَمْ أَنَّهُ كَعيْش الأَدِيبِ؟
(10) ومما ينسب إلى عنترة [13] :
وأَنا ابْنُ سوْداء الجَبِينِ كأَنّها ذِئْبٌ تَرعْرَع في نَواحي المنْزِل
السّاقُ مِنْهَا مِثْلُ ساقِ نعَامَةٍ والشَّعْرُ مِنْها مِثلُ حبِّ الفٌلْفلِ
(11) وقال ابن شُهيدٍ الأَندلسي [14] يصف بُرْغُوثاً:
أَسْودُ زَنجي، أَهليُّ وحشيٌ، ليس بِوانٍ ولا زُمّيل [15] ، وكأَنه جُزْءٌ لا يتجزأ من ليْل، أو نقطةُ مِداد، أو سويداءُ [16] فؤاد، شُرْبُهُ عبّ [17] ، ومشيه وثبٌ، يَكمنُ نهارهُ، ويسير ليلَه، يُدارك [18] بطعن مؤلم، ويستحلُّ دم البرئ والمجرم، مُساورٌ [19] للأساوِرة [20] ، ومُجرّدٌ نصْله [21] على الجبابرة لا يُمْنعُ منه أمير، ولا تَنفعُ فيه غيرةُ غيور، وهو أحقرُ حقير، شرُّهُ مبعوث [22] ، وعهدُه منكوث [23] ، وكَفى بهذا نقصاناً للإنسان، ودلالةً على قدرة الرحمن.
(2)
(1) كوِّن تشبيهاً الغرضُ منه بيان حال النَّمِر.
(2) " " " " " " الكرة الأرضية.
(3) " " " " " مقدار حال دواءٍ مرّ.
(4) " " " " " " " نار شبت في منزل.
(5) " " " تقرير حال طائش يرمي نفسه في المهالك ولا يدرى.
(6) " " " " " من يعيش ظلام الباطل ويؤذيه نور الحق.
(7) كوِّن تشبيهاً الغرضُ منه بيان إمكان العظيم من شيء حقير.
(8) " " " " " " أن التعب يُنتج راحة ولذة.
(9) " " لتزيين الكلب.
(10) " " " الشيخوخة.
(11) " " لتقبيح الضيف.
(12) " " " الشتاء.
(3)
اِشرح بإيجاز الأبيات الآتية وبيِّن الغرض من كل تشبيه فيها:
1. وَقانا لَفْحَة الرَّمْضاءِ وادٍ سقاهُ مُضاعَفُ الغَيثِ العَميمِ [24]
2. نَزَلْنا دوْحَهُ فَحنَا عليْنَا حُنُوَّ المُرْضِعاتِ على الفَطِيم [25]
3. وأرْشَفَنا على ظمأٍ زُلاَلا ألذَّ مِن المُدامةِ للنَّدِيم [26]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] شاعر من شعراء الجاهلية، وسمي النابغة لنبوغه في الشعر، شهد له عبد الملك بن مروان بأنه أشعر العرب وكان خاصاً بالنعمان ومن ندمائه، وكانت تنصب له قبة حمراه بسوق عكاظ فيأتي إليه الشعراء ينشدونه أشعارهم فيحكم فيها، وقد مات قبيل البعثة.
[2] الدجى: جمع دجية وهي الظلمة، والفريق: الجماعة، وحلولا: أي مقيمين وهو حال من الفريق.
[3] هو أبو الحسن الأنباري أحد الشعراء المجيدين عاش في بغداد، وتوفى سنة 328هـ، وقد اشتهر بمرثيته التي رثي بها أبا طاهر بن بقية وزير عز الدولة قتل وصلب، وهو من أعظم المراثي ولم يسمع بمثلها في مصلوب، حتى إن عضد الدولة الذي أمر بصلبه تمني لو كان هو المصلوب وقيلت يه.
[4] الاحتفاء: المبالغة في الإكرام، والهبات: جمع هبة والمقصود بها العطية
[5] الأغراض المذكورة في القاعدة ترجع جميعها كما ترى إلى المشبه، وهذا هو الغالب، وقد ترجع إلى المشبه به وذلك في التشبيه المقلوب وسيأتي.
[6] هو أبو الحسن محمد ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي كرم الله وجهه، وكان ذا هيبة وعفة وورع، ويقال إنه أشعر قريش، لأن المجيد منهم ليس بمكثر، والمكثر ليس بمجيد أما هو فقد جمع بين والإجادة والإكثار، ولد ببغداد وتوفى بها سنة 406هـ.
[7] التوءم من جميع الحيوان: المولود مع غيره في بطن، ويقال هما توءمان وهما توءم، يريد بالتوءم هنا النظيرين.
[8] الوجار. الجحر، الضنك: الضيق، والقطر: الجانب.
[9] الصبا: ريح مهبها من الشرق.
[10] الجوشن: الدرع.
[11] شاعر من بني عبد القيس كان أعجوبة في قوة الحافظة، وله تصانيف في الأدب وديوان شعر، توفى سنة 400هـ.
[12] الوضح: الضوء والبياض.
[13] هو من شعراء الطبقة الأولى كانت أمه حبشية. وقد اشتهر بالشجاعة والإقدام وتوفى قبل ظهور الإسلام بسبع سنين،
[14] هو من بني شهيد الأشجعي أحد أفراد الأندلس أدباً وعلماً، وله شعر جيد وتصانيف بديعة، وتوفى بقرطبة مسقط رأٍسه سنة 426هـ.
[15] الزميل: الضعيف.
[16] السويداء: حبة القلب.
[17] العب: شرب بلا مص.
[18] يدارك: يتابع.
[19] مساور: مواثب ومهاجم.
[20] الأساورة: جمع أسوار وهو قائد الفرس، أو من يحسن رمي السهام، أو الثابت على ظهر الفرس.
[21] النصل: حديدة السيف والسهم والرمح والسكين.
[22] مبعوث: منتشر.
[23] منكوث: منقوض.
[24] لفح النار: إحراقها، والرمضاء: شدة الحر أو الأرض الحارة من شدة حر الشمس.
[25] الدوح: واحده دوحة وهي الشجرة، والمعنى نزلنا ظل دوحة.
[26] أرشفنا: سقانا.





(7) بلاغة التشبيه وبعض ما أُثِرَ منه عن العرب والمُحْدَثين [1]
تنْشأُ بلاغة التشبيه من أنه ينتقل بك من الشيء نفسه إلى شيء طريف يشبهه، أو صورة بارعة تمثِّله. وكلما كان هذا الانتقال بعيدًا قليل الخطورة بالبال، أو ممتزجاً بقليل أو كثير من الخيال، كان التشبيه أروع للنفس وأدعى إلى إعجابها واهتزازها.
فإذا قلت: فلان يُشبه فلاناً في الطول، أو إِنَّ الأرض تشبه الكره في الشكل، أو أَنَّ الجزر البريطانية تشبه بلاد اليابان، لم يكن لهذه التشبيهات أثر للبلاغة؛ لظهور المشابهة وعدم احتياج العثور عليها إلى براعة وجهْد أدبي، ولخلوها من الخيال.
وهذا الضرب من التشبيه يُفصَد به البيان والإيضاح وتقريب الشيء إلى الأفهام، وأكثر ما يستعمل في العلوم والفنون.
ولكنك تأخذك رَوْعة التشبيه حينما تسمع قول المعرى يَصِف نجماً:
يُسْرعُ اللمْح في احْمِرارٍ كما تُسْـ ـرِعُ في اللمْح مُقْلَةُ الغضبانِ [2]
فإن تشبيه لمحات النجم وتأَلقه مع احمرار ضوئه بسرعة لمحة الغضبان من التشبيهات النادرة التي لا تنقاد إلا لأَديب. ومن ذلك قول الشاعر:
وكأَن النُّجوم بين دُجاها سُنَنٌ لاح بَيْنَهُنَّ ابْتِدَاع
فإِن جمال هذا التشبيه جاء من شعورك ببراعة الشاعر وحذقه في عقد المشابهة بين حالتين ما كان يخطر بالبال تشابههما، وهما حالة النجوم في رُقْعة الليل بحال السنن الدينية الصحيحة متفرقة بين البدع الباطلة. ولهذا التشبيه روْعة أخرى جاعَت من أَن الشاعر تخيّل أن السنن مصيئة لمَّاعة، وأَن البدع مظلمة قاتمة.
ومن أبدع التشبيهات قول المتنبي:
بليتُ بِلى الأَطْلاَلِ إنْ لَمْ أقفْ بِهَا وقُوف شَحيح ضاع في التُّرْبِ خاتَمُه
يدعو على نفسه بالبِلى والفناءِ إِذا هو لم يقف بالأَطلال ليذكر عهد من كانوا بها، ثم أَراد أَن يصوِّر لك هيئة وقوفه فقال:كما يقف شحيِح فقد خاتمه في التراب، من كان يُوفق إلى تصوير حال الذاهل المتحير المحزون المطرق برأسه المنتقل من مكان إِلى مكان في اضطراب ودهشة بحال شحيح فقد في التراب خاتمًا ثمينا؟ ولو أردنا أن نورد لك أمثلة من هذا النوع لطال الكلام.
هذه هي بلاغة التشبيه من حيث مبلَغ طرافته وبُعد مرماه مقدار ما فيه من خيال، أما بلاغته من حيثُ الصورةُ الكلامية التي يوضع فيها أيضًا. فأقل التشبيهات مرتبة في البلاغة ما ذكرت أركانه جميعها. لأن بلاغة التشبيه مبنيَّة على ادعاءِ أَن المشبّه عين المشبه به، ووجود الأداة ووجه الشبه معاً يحولان دون هذا الادعاء، فإذا حذفت الأَداة. وحدها، أو وجه الشبه وحده، ارتفعت درجة التشبيه في البلاغة قليلاً، لأَن حذف أحد هذين يقوى ادعاءَ اتحاد المشبه والمشبه به بعض التقوية. أما أبلغ أنواع التشبيه فالتشبيه البليغ، لأنه مبنيٌّ على ادعاء أن المشبه والمشبه به شيء واحد.
هذا- وقد جرى العرب والمُحدَثون على تشبيه الجواد بالبحر والمطر، والشجاع بالأَسد، والوجه الحسن بالشمس والقمر، والشَّهم الماضي في الأُمور بالسيف، والعالي المنزلة بالنجم، والحليم الرزين بالجبل، والأَمانيِّ الكاذبة بالأحلام، والوجه الصبيح بالدينار، والشعر الفاحم بالليل، والماء الصافي باللجَيْنِ، والليل بموج البحر، والجيش بالبحر الزاخر، والخيْل بالريح والبرْق، والنجوم بالدرر والأَزهار، والأَسنان بِالبَرْدِ واللؤلؤ، والسفُنِ بالجبال والجداولِ بالحيات الملتوية، والشّيْبِ بالنهار ولمْع السيوف، وغُرَّةِ الفرس بالهلال. ويشبهون الجبانَ بالنَّعامة والذُّبابة، واللئيم بالثعلب، والطائشَ بالفَراش، والذليلَ بالوتدِ. والقاسي بالحديد والصخر، والبليد بالحِمار، والبخِيل بالأرض المُجْدِيَة.
* * *
وقد اشتهر رجال من العرب بِخلال محمودة فصاروا فيها أعلاماً فجرى التشبيه بهم. فيشبه الوفيُّ بالسَّموْءَل [3] ، الكريم بحاتم، والعادل بعُمر [4] ، والحليم بالأحْنَف، والفصيح بسحْبان، والخطيب بقُسٍّ [5] والشجاع بعْمرو بن مَعْديكرب، والحكيمُ بلقمان [6] ، والذكيُّ بإياس.
واشتهر آخرين بصفاتٍ ذميمة فجرى التشبيه بهم أَيضاً، فيشبه العِىُّ بباقِل [7] ، والأحمقُ بهبَنَّقَةَ [8] ، والنادمُ بالكُسعِيّ [9] ، والبخيل بمارد [10] ، والهجَّاءُ بالحُطيّئَة [11] ، والقاسي بالحجاج [12] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] المحدث في اللغة: المتأخر، والمراد به هنا من جاء عهد العرب الذين يحتج بكلامهم في اللغة.
[2] لمح البرق والنجم: لمعانهما، ولمح البصر: اختلاس النظر.
[3] هو السموءل بن حيان اليهودي، يضرب به المثل في الوفاء، وهو من شعراء الجاهلية توفى سنة 62 ق هـ.
[4] هو أمير المؤمنين وخليفة المسلمين وأحد السابقين إلى الإسلام والأولين، اشتهر بعدله وتواضعه وزهده، وقد نصر الله به الإسلام وأعزه.
[5] هو ابن ساعدة الإيادي خطيب العرب قاطبة، ويضرب به المثل في البلاغة والحكمة.
[6] حكيم مشهور آتاه الله الحكمة أي ا لإصابة في القول والعمل.
[7] رجل اشتهر بالعى، اشترى غزالا مرة بأحد عشر درهماً فسئل عن ثمنه قد أصابع كفيه يريد عشرة وأخرج لسانه ليكملها أحد عشر ففر الغزال، فضرب به المثل في العى.
[8] هو لقب أبي الودعاء يزيد بن ثروان القيسي، ويضرب به المثل في الحمق.
[9] هو غامد بن الحرث، خرج مرة للصيد فأصاب خمسة حمر بخمسة أسهم، وكان يظن كل مرة أنه مخطئ، فغضب وكسر قوسه، ولما أصبح رأى الحمر مصروعة والأسهم مخضبة بالدم، فندم على كسر قوسه، وعض على إبهامه فقطعها.
[10] لقب رجل من بني هلال اسمه مخارق، وكان مشهوراً بالبخل واللؤم.
[11] شاعر مخضرم كان هجاء مراً ، ولم يكد يسلم من لسانه أحد، هجا أمه وأباه ونفسه، وله ديوان شعر، وتوفى 30هـ.
[12] هو الحجاج بن يوسف الثقفي، كان عاملا على العرب وخراسان لعبد الملك بن مروان ثم للوليد من بعده، وهو أحد جبابرة العرب وله في القتل والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها. توفى بمدينة واسط سنة 98هـ.





الحقيقـة والمجـاز
المجاز اللغوي
الأمثلة:
(1) قال ابنُ العَمِيد [1] :
قامَتْ تُظَلِّلُني مِنَ الشَّمْسِ نَفْسٌ أحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسي
قامَتْ تُظَلِّلُني ومِنْ عَجَبٍ شَمْسٌ تُظَلِّلُني مِنَ الشمْسِ
(2) وقال البحترى يَصِف مبارزة الفَتْح بن خاقان لأسد:
فَلَم أَرَضِرْ غامَيْن أصْدَق مِنْكُما عِراكاً إِذَا الْهيَّابَة النِّكْسٌ كَذَّبَا [2]
هِزبرٌ مَشَى يَبْغِي هِزَبْرًا وأغْلَبٌ مِنَ الْقَوْم يَغْشَى باسِل الْوَجْه أغْلبَا [3]
(3) وقال المتنبي يقد سقط مطرٌ على سيف الدولة:
لِعَيْني كُلَّ يَومٍ مِنْكَ حَظُّ تَحَيَّرُ مِنْهُ فِي أمْرٍ عُجابِ [4]
حِمَالةُ ذَا الحُسَام عِلى حُسامٍ وَمَوْقِعُ ذَا السَّحَابِ على سَحَاب [5]
(4) وقال البحترى:
إِذَا العَيْنُ رَاحَتْ وَهْى عَيْنٌ على الجَوَى فَلَيْسَ بسرٍّ مَا تُسِرُّ اَلأَضَالِعُ
البحث:
انظر إِلى الشطر الأَخير في البيتين الأولين، تجد أن كلمة "الشمس " استعملت في معنيين: أحدهما المعنى الحقيقي للشمس التي تعرفها، وهي التي تظهر في المشرق صبحاً وتختفي عند الغروب مساءً، والثاني إنسان وضاءُ الوجه يشبه الشمس في التلأْلؤ، وهذا المعنى غير حقيقي، وإِذا تأملتَ رأيتَ أنَّ هناك صِلَةً وعلاقة بين المعنى الأصليّ للشمس والمعنى العارض الذي اسْتُعْمِلَتْ فيه. وهذه العلاقة هي المشابهة، لأَن الشخص الوضئَ الوجه يُشْبِه الشمس في الإِشراق، ولا يمكن أن يلتبس عليك الأَمر فتَفْهَم من "شمس تظللني" المعنى الحقيقي للشمس، لأَن الشمس الحقيقية لا تُظَلِّل، فكلمة تظللني إِذا تمنع من إِرادة المعنى الحقيقي، ولهذا تسمى قرينة دالة على أَن المعنى المقصود هو المعنى الجديد العارض.
وإذا تأَملت البيت الثاني للبحترىِّ رأَيت أن كلمة "هِزَبْرًا" الثانية يراد بها الأَسد الحقيقي، وأن كلمة "هزبر" الأُولى يراد بها الممودوح الشجاع، وهذا معنى غير حقيقي، ورأيت أن العلاقة بين المعنى الحقيقي للأسد والمعنى العارض هي المشابهة في الشجاعة، وأن القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي للأَسد هي أن الحال المفهومة من سياق الكلام تدل على أن المقصود المعنى العارض، ومثل ذلك يقال في "أغْلب من القَوْم" و "باسِل الوَجْه أغْلبا" فإِن الثانية تدل على المعنى الأصلي للأسد، والأولى تدل على المعنى العارض وهو الرجل الشجاع والعلاقة المشابهة، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأَصلي هنا لفطية وهي "من القوم".
تستطيع بعد هذا البيان أن تدرك في البيت الثاني للمتنبي أن كلمة "حسام" الثانية استعملتْ في غير معناها الحقيقي لعلاقة المشابهة في تَحمُّل الأَخطار. والقرينة تُفهم من المقام فهي حالِية، ومثل ذلك كلمة "سحاب" الأَخيرة فإِنها استعملت لتدل على سيف الدولة لعلاقة المشابهة بينه وبين السحاب في الكرم، والقرينة حالِيَّة أيضاً.
أَما بيت البحترى فمعناه أنَّ عين الإنسان إِذا أصبحت بسبب بكائها جاسوساً على ما في النفس من وجْدٍ وحُزْن. فإن ما تَنْطَوِى عليه النفس منهما لا يكون سراً مكتوماً؛ فأَنت ترى أن كلمة "العين" الأولى استعملت في معناها الحقيقي وأن كلمة "عين" الثانية استعملت في الجاسوس وهو غير معناها الأصلي، ولكن لأَن العين جزء من الجاسوس وبها يَعْمل، أطلقها وأراد الكل شأن العرب في إِطلاق الجزء وإِرادة الكلّ، وأَنت تري أن العلاقة بين العين والجاسوس ليست المشابهة وإنما هي الجزئية والقرينة "على الجوى" فهي لفظيَّة.
ويتَّضح من كل ما ذكرنا أن الكلمات: شمس، وهِزَبْر، وأغْلب، وحُسام، وسحاب، وعين، استعملت في غير معناها الحقيقي لعلاقة وارتباط بين المعنى الحقيقي والمعنى العارض وتسمى كل كلمة من هذه مجازاً لغويًّا.
القاعدة
(12) المَجَاز اللّغَوىُّ هُوَ اللفظُ المُسْتعْمَلُ في غير ما وُضِعَ لَه لِعَلاقة مع قَرينةٍ مانِعةٍ مِنْ إِرادَةِ المعْنَى الحقيقي. والعَلاقةُ بَيْنَ الْمَعْنَى الحقيقي والمعنى المجازىّ قدْ تكونُ المُشَابَهةَ، وقد تكونُ غيرَها، والقَرينَةُ قد تكونُ لفظيةً وقد تكونُ حَالِيَّةً.
نَمُـوذَجٌ
(1) قال أبو الطيب حين مرض بالحمَّى بمصر:
فإن أمْرض فَما مرضَ اصْطِباري وإِن أُحْمَمْ فَما حُمَّ اعْتزامى
(2) وقال حينما أنْذر السحابُ بالمطر وكان مع ممدوحه:
تعَرّض لِي السَّحابُ وقد قَفلْنَا فقُلْت إلَيْكَ إن معِي السّحَابا [6]
(3) وقال آخر:
بِلادي وإِنْ جارت على عزِيزهٌ وقومي وإنْ ضَنُّوا علىَّ كِرامُ.
تمرينـات
(1)
الكلمات التي تحتها الخطوات استُعْمِلَتْ مرَّةً استعمالاً حقيقيًّا، ومرَّة استعمالاً مجازيًّا، بيَّن المجازيَّ منها مع ذكر العلاقة والقرينة لفظيةً أَو حاليَّةً.
(1) قال المتنبي في المديح:
فيوْمًا بخيْل تَطرُد الرومَ عنْهُمُ وَيَوْمًا بجُرد تطرُدُ الفَقْر والْجَدْبا
(2) وقال:
فَلا زالَت الشَّمسُ التي في سمائه مُطالعةَ الشمْسِ التي في لثامه [7]
(3) وقال:
عيبٌ عليك تُرَى بِسيْفٍ في الوَغَى ما يفعل الصَّمْصام بالصِّمْصام [8]
(4) وقال:
إِذا اعْتَلَّ سيفُ الدولةَ اعتلَّت الأرْض [9] .
(5) وقال أبو تمام في الرِّثاء:
وما مات حتى مات مضْربُ سَيفه منَ الضرب واعتلَّتْ عليه القنا السُّمْر [10]
(6) كان خالد بن الوَليدِ [11] إذا سار سار النصر تحت لِوائهِ.
(7) بنَيْتَ بيوتاً عالِيات وقَبْلَها بنْيتَ فَخَارًا لا تُسامَى شواهِقهْ
(2)
(1) أمِنَ الحقيقةِ أم مِنَ المجاز كلمة "الشمسين" في قول المتنبي يَرثي أخت سيف الدولة؟:
فَلَيْتَ طالِعَةَ الشمسَيْنِ غائِبةٌ وليْتَ غائبة الشمْسيْنِ لَمْ تَغِبِ [12]
(2) أحقِيقة أمْ مجازٌ كلمة "بدرا" في قول الشاعر؟:
وَفدْ نَظَرتْ بدْر الدُّجَى ورأَيْتُهَا فَكان كِلانا ناظِرًا وَحْدَه بَدْرَا
(3) أَحقيقةَ أم مجازٌ كلمة "ليالي" في قول المتنبي؟:
نَشَرَتْ ثلاث ذَوائِبْ مِن شَعْرِها في ليلْةٍ فَأَرَتْ لَيالي أربعا [13]
(4) أحقيقة أمْ مجازٌ كلمة "القمرين" في قول المتنبي؟:
واسْتقْبلَتْ قَمرَ السماءِ بوجْهِها فَأَرَتْنِي القَمريْنِ في وقتٍ معاً
(3)
(1) استعمل الأَسماء الآتية استعمالاً حقيقيًّا مرةً ومجازيًّا أُخرى لعلاقة المشابهة:
البَرق – الرِّيح – المطر – الدُّرَر – الثعلب – النسْر – النجوم - الحَنْظَل.
(ب) استعمل الأفعال الآتية استعمالاً حقيقيًّا مرة ومجازيًّا أخرى لعلاقة المشابهة:
غرِق – قتَلَ - مزَّقَ – شرِب - دَفن - أراق - رمى - سقَطَ.
(4)
ضع مفعولاً به في المكان الخالي يكون مستعملا استعمالا مجازيًّا، ثم اشرح العلاقة والقرينة:
أحيا طلعت حرب ... نَثر الخطيب ... زَرع المحْسن ...
قَوَّم المعلم ... قتَلَ الكسلان ... حاربتْ أوربا ...
(5)
ضع في جملةٍ كلمة "أذُن" لتدل على الرجل الذي يميل لسماع الوشايات، وفي جملةٍ أخرى كلمة "يمين" لتدل على القوة، ثم بيِّن العلاقة.
(6)
كون أربع جمل تشتمل كل منها على مجاز لغوىَّ علاقتُه المشابهة.
(7)
اشرح بيْتَي البحترى في المديح ثم بيِّن ما تضمنته كلمة "شمسين" من الحقيقة والمجاز:
طَلعْت لهمْ وقتَ الشرُوق فَعاينُوا سنا الشَّمس من أُفْقٍ ووجْهَكَ من أُفْق [14]
فما عاينوا شَمْسينِ قَبْلَهُما الْتَقى ضِياؤُهما وفْقاً مِن الغَرْبِ والشرْقِ [15]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] هو الوزير أبو الفضل محمد بن العميد نبغ في الأدب وعلوم الفلسفة والنجوم، وقد برز في الكتابة على أهل زمانه حتى قيل: "بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد" توفى سنة 360هـ.
[2] الضرغام: الأسد، الهيابة: الجبان، والنكس: الضعيف.
[3] الهزبر: الأسد، والأغلب: الأسد أيضاً، الباسل: الشجاع.
[4] تحير: أصلها تتحير حذف منها إحدى التاءين.
[5] حمالة السيف: ما يحمل به.
[6] قفلنا: رجعنا، وإليك: اكفف.
[7] المطالعة هنا المشاركة في الطلوع – أي لا زال باقياً بقاء الشمس فكلما طلعت في السماء كان وجهه طالعاً بإزائعا.
[8] الوغي: الحرب، والصمصام: السيف؛ يريد أنك كالسيف في المضاء فلا حاجة بك إلى السيف.
[9] أعل: مرض
[10] مضرب السيف: حده، والقنا: الرماح، والسمر: الرماح أيضاً، أي لم يمت في ساحة الحرب حتى تثلم سيفه وضعفت الرماح عن المقاومة.
[11] صحابي جليل وقائد كبير من قواد جنود المسلمين، قاتل المرتدين في عهد أبي بكر رضى الله عنه، ثم فتح الحيرة وجانباً عظماً من العراق، وكان موفقاً في غزواته وحروبه، قال أبو بكر: عجزت النساء أن يلدان مثل خالد، وقد توفى سنة 21 هـ.
[12] يقصد بطالعة الشمسين الشمس الحقيقية، وبغائبة الشمسين أخت سيف الدولة.
[13] الذوائب: جمع ذؤابة وهي الخصلة من الشعر.
[14] السنا: النور، والأفق: الناحية.
[15] وفقا: أي متفقين في الميعاد.






(1) الاستعارة التصريحية والْمَكنيَّة
الأمثلـة:
(1) قال تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظلُّمَاتِ إلَى النُّور }.
(2) وقال المتنبي وقد قابله مَمْدُوحُهُ وعانقَه:
فَلَمْ أرَ قَبْلِي مَن مَشَى الْبَحْرُ نَحوَهُ ولا رَجُلاً قامَتْ تُعانِقُهُ الأُسدُ
(3) وقال في مدح خط سيف الدولة:
أمَا تَرَى ظَفَرًا حُلْواً سِوَى ظَفَرِ تَصَافحَتْ فيهِ بيضُ الهِنْدِ واللِّمم [1]
* * *
(1) وقال الحجَّاجُ في إحْدى خُطَبه:
أني لأرَى رُؤوُساً قَدْ أيْنَعَتْ وحَانَ قِطافُهـا وإِنّي لَصَاحِبُهَا [2] .
(2) وقال المتنبي:
ولَمَّا قَلّت الإِبلُ امْتَطَيْنا إلَى ابن أَبى سُلَيْمَانَ الخُطُوبَا [3]
(3) وقال:
الْمَجْدُ عُوفِي إذ عُوفيتَ وَالكرَمُ وزالَ عَنْكَ إلَى أعْدَائِكَ الألَمُ
البحث:
في كل مثال من الأمثلة السابقة مجاز لُغويٌّ: أي كلمة استُعْملت في غير معناها الحقيقي فالمثال الأَول من الأمثلة الثلاثة الأُولى يشتمل عل كلمتي الظلمات والنور ولا يُقْصد بالأُولى إلا الضلال، ولا يراد بالثانية إلاَّ الهدى والإيمان، والعلاقة المشابهة والقرينة حالية؛ وبيت المتنبي يحتوي على مجازين هما "البحرُ" الذي يراد به الرجل الكريم لعلاقة المشَابهة، والقرينة "مشى" و "الأُسْد" التي يراد بها الشجعان لعلاقة المشابهة، والقرينة "تعانقه" بالبيت الثالث يحتوى على مجاز هو "تصافحت" الذي يراد منه تلاقت، لعلاقة المشابهة والقرينة "بيض الهند واللمم".
وإذا تأملت كل مجاز سبق رأيت أنه تضمَّن تشبيهاً حُذِف منه لفظ المشبَّه واستعير بدله لَفْظ المشبَّه به ليقوم مقامه بادعاء أنَّ المشبه به هو عين المشبَّه، وهذا أبعد مدى في البلاغة، وأدخَل ق المبالغة، ويسمَّى هذا المجاز استعارة، ولما كان المشبَّه به مصرّحاً به في هذا المجاز سمّى استعارة تصريحية.
نرْجع إِذاً إلى الأمثلة الثلاثة الأَخيرة؛ ويكفى أن نوضح لك مثالاً منها لتَقيس عليه ما بعده، وهو قول الحجاج في التهديد: "إِنِّي لأَرى رؤوساً قد أيْنَعت" فإن الذي يفهَم منه أَن يشبه الرؤوس بالثمرات، فأَصل الكلام إِني لأرى رؤوساً كالثمرات قد أينعت، ثم حذف المشبّه به فصار إني لأرى رؤوساً قد أينعت، على تخيُّل أن الرؤوس فد تمثلت في صورة ثمار، ورُمز للمشبه به المحذوف بشيء من لوازمه وهو أينعت، ولما كان المشبه به في هذه الاستعارةُ محْتجباً سميت استعارة مكنية، ومثل ذلك يقال في "امتطينا الخطوبا" وفي كلمة "المجد" في البيت الأخير.
القـاعدة:
(13) الاسْتِعارَةُ مِنَ المجاز اللّغَويَّ، وهيَ تَشْبيهٌ حُذِفَ أحَد طَرفَيْهِ، فَعلاقتها المشابهةُ دائماً، وهي قسمان:
(أ) تَصْريحيّة، وهي ما صُرَّحَ فيها بلَفظِ المشبَّه بهِ.
(ب) مَكنِيَّة، وهي ما حُذِفَ فيها المشَبَّه بهِ ورُمِزَ لهُ بشيء مِنْ لوازمه.
نَمُوذَجٌ
(1) قال المتنبي يَصِفُ دخيل رسول الرّوم على سيف الدولة:
وأقبل يمشى في الْبساطِ فَما دري إلى البحْر يسْعى أمْ إلى البدر يرْتقي
(2) وصف أعرابي أخاً له فقال:
كان أخِي يَقْرى العينَ جَمالا والأُذنَ بياناً [4] .
(3) وقال تعالى على لسان زكريا:
{رَبِّ إِنِّي وهن العظْمُ مِني واشْتًعل الرَّأْس شَيْباً}.
(4) وقال أعرابي في المدن:
فُلانٌ يَرمي بِطَرْفِهِ حَيْثُ أَشَارَ الكَرم [5] .
الإجـابة
(1) أ ـ شُبِّه سيفُ الدولة بالبحر بجامع [6] العطاء ثم استُعير اللفظُ الدال على المشبّه به وهو البحر للمشبه وهو سيف الدولة، على سبيل الاستعارة التصريحية، والقرينة "فأَقبل يمشي في البساط".
ب ـ شُبِّه سيف الدولة بالبدر بجامع الرّفعة، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به وهو البدر للمشبه وهو سيف الدولة، على سبيل الاستعارة التصريحية، والقرينة "فأََقبل يمشي في البساط".
(2) شبِّه إمتاع العين بالجمال و إمتاع الأُذن بالبيان بقرى الضيف، ثم اشتُقَّ من القِرى يَقْرِى بمعنى يُمْتِع عل سبيل الاستعارة التصريحية، والقرينة جمالا وبياناً.
(3) شُبِّه الرأس بالوقود ثم حذِف المشبه به، ورُمزَ إليه بشيءٍ من لوازمه وهو "اشتعل" على سبيل الاستعارة المكنية، والقرينة إثبات الاشتعال للرأس.
(4) شُبِّه الكرم بإنسان ثم حُذِفَ ورُمزَ إليه بشيء من لوازمه وهو "أَشار" على سبيل الاستعارة المكنية، والقرينة إثبات الإشارة للكرم.
تمرينـات
(1) أجر الاستعارةَ التصريحية التي تحتها خط فيما يأتي:
(1) كل زَنْجيَّة كأَن سوَاد الْـ لَيْل أَهْدى لها سَوادَ الإِهَاب [7]
(2) وقال في وصف مزيِّنٍ:
إذا لمع البرْقُ في كَفِّه أَفاض على الْوجهِ ماءَ النعيم [8]
لَه راحةٌ سيْرُها راحةٌ تَمرُّ على الْوجْهِ مرَّ النَّسِيم [9]
(3) وقال ابن المعتز:
جُمِعَ الْحقُّ لَنا في إِمام قتَل البُخْلَ وَأَحْيا الًّسماحا
(2) أَجرِ الاستعارة المكنية التي تحتها خط فيما يأْتي:
(1) مدح أَعرابي رجلاً فقال:
تَطَلَّعتْ عيونُ الفضل لكَ، وأَصغتْ آذانُ المجدِ إليك.
(2) ومدح آخر قوماً بالشجاعة فقال: أَقْسمتْ سيوفُهمْ ألا تُضيع حقًّا لهم.
(3) وقال السريُّ الرَّفاء:
مَوَاطنُ لمْ يَسْحَبْ بِها الْغَيُّ ذيْلَهُ وكم للِعَوَالي بَيْنهَا مِن مَساحبِ [10]
(3) عيِّن التصريحية والمكنية من الاستعارات التي تحتها خط مع بيان السبب:
(1) قال دعبِل الخزاعِيّ [11] :
لا تَعجَبي يا سَلمُ مِن رَجُلٍ ضحِك المَشيبُ برَأْسِه فبَكى [12]
(2) ذمَّ أعرابي قوماً فقال: أُولئك قومٌ يصومون عن المعروف، ويُفْطرون على الفحشاء.
(3) وذمَّ آخر رجلاً فقال: إِنه سمين المال مهزول المعروف.
(4) وقال البحتري يرثي المتوكل [13] وقد قتِل غِيلة:
فما قاتلَت عنهُ المَنايا جُنودُهُ ولا دافعتْ أَمْلاكُه وذَخائرُه [14]
(5) وإِذا العِنايةُ لاحظتْك عيونُها نَمْ فالمخاوِف كلُّهُنَّ أَمانُ
(6) وقال أَبو العتَاهِية يهنِّىءُ المهدي [15] بالخلافة:
أَتـتْه الخِلافةُ منقادة إِليْهِ تُجرِّرُ أَذْيالها
(4) ضع الأسماءَ الآتية في جمل بحيث يكُون كلُّ منها استعارةً تصريحية مرة ومكنيةً أخرى:
الشمس - البلبل - البحر - الأَزهار - البرق
(5) حوِّل الاستعارات الآتية إلى تشبيهات:
(1) قال أبو تمام في وصف سحابة:
دِيمَةٌ سمْحَة القِيادِ سَكوبُ مُسْتغِيثٌ بِها الثرى المكروبُ [16]
(2) وقال السَّرِيّ في وصف الثلج وقد سقطَ على الجبال:
ألَمَّ برَبعِها صُبْحًا فألْفى مُلِمَّ الشيبِ في لمم الجِبال [17]
(3) وقال في وصف قلم:
وأَهبف إِنْ زعْزعته البَنا نُ أمْطر في الطَّرس ليْلاً أحم [18]
(6) حوِّل التشبيهات الآتية إلى استعارات:
(1) إنَّ الرسول لنورٌ يُسْتضاءُ به.
(2) أنا غُصْنُ من غصونِ سَرْحتِك، وفَرعٌ من فروع دوْحَتِك [19]
(3) أَنا السَّيْفُ إِلا أِنَّ لِلسَّيْفِ نبْوةً ومِثْلِيَ لا تَنْبُو علَيْكَ مضاربُهْ [20]
(4) {ثمَّ قسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهيَ كالحجارةِ أَوْ أَشَدُّ قسْوةً}.
(5) وإنَّ صَخْرًا لتَأْتمُّ الهُداةُ بِه كأَنَّه علمٌ في رأسِه نارُ [21]
(6) أَنا غَرْسُ يديك.
(7) أَسَدٌ علىَّ وفي الحُرُوبِ نَعامة ربْداءُ تَجْفِلُ منْ صَفِيرِ الصَّافِر! [22]
(7) اشرح قول ابن سِنان الخفاجِى [23] في وصف حمامة، ثم بيِّن ما فيه من البيان:
وهاتِفَةٍ في الْبان تُمْلى غَرامَها عليْنا وتتْلُو مِنْ صبابَتِها صُحْفَا [24]
ولوْ صَدَقَتْ فِيما تقُولُ من الأَسى لما لَبسَتْ طَوْقاً وما خضَبَتْ كَفَّا [25]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] بيض الهند: السيوف، واللمم جمع لمة: وهي الشعر المجاور شحمة الأذن، والمراد بها هنا الرموس. يقول: لا ترى الانتصار لذيذاً إلا بعد معركة تتلاقي فيها السيوف بالرؤوس.
[2] أينعت من أينع الثمر إذا أدرك ونضج، وحان قطافها: آن وقت قطعها، يريد أنه يصير بحال القوم من الشقاق والخلاف في بيعة أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، فهو يحذرهم عاقبة ذلك.
[3] امتطينا: ركبنا، والخطوب: الأمور الشديدة، يقول: لما عزت الإِبل عليه لفقره حملته الخطوب على قصد هذا الممدوح فكانت له بمنزلة مطية يركبها.
[4] القرى: إكرام الضيف وإطعامه.
[5] الطرف: البصر.
[6] الجامع في الاستعارة هو ما يعبر عنه في التشبيه بوجه الشبه.
[7] الإهاب: الجلد، يقول: إن القار الذي طليت به السفن لشدة سواده كأنه جزء من الليل أهداه الليل إليها.
[8] ماء النعيم: وونقه ونضارته.
[9] الراحة الأولى: باطن الكف، والراحة الثانية: ضد التعب، يصف اليد باللطف والخفة.
[10] العوالي: جمع عالية وهي الرماح، يقول: إن هذه الأماكن طاهرة من أدران الغواية وإنها منازل شجعان طالما جرت فيها الرماح.
[11] كان شاعراً هجاء، ولد بالكوفة وأقام ببغداد، وشعره جيد؛ وقد أولع بالهجو والحط من أقدار الناس فهجا الخلفاء ومن دونهم، وتوفي سنة 246.
[12] يا سلم: يا سلمى.
[13] هو المتوكل العباسي، بويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الواثق سنة 232هـ، وكان جواداً محباً للعمران، وقد نقل مقر الخلافة من بغداد إلى دمشق، وقتل غيلة سنة 247هـ.
[14] يقول: إن جيشه لم ينفعه حين هجم عليه الأعداء في قصره فلم يقاتل دونه، وإن أملاكه وأمواله لم تغن عنه شيئاً.
[15] هو من خلفاء الدولة العباسية في العراق، أقام في الخلافة عشر سنين محمود العهد والسيرة محبباً إلى الرعية وكان جواداً، توفي سنة 169هـ.
[16] الديمة: السحابة الممطرة. وسمحة القياد أي أن الريح تقودها وهي لينة لا تمانع، وسكوب: كثيرة سكب المطر وصبه، والثرى: التراب.
[17] ألم: نزل. والضمير يعود على الثلج، بربعها: بمنزلها والمقصود بمكانها، والضمير يعود إلى البقعة، واللمم جمع لمة وهي شعر الرأس.
[18] الهيف في الأصل: رقة الحصر، وزعزعته: هزته، والبنان: الأصابع أو أطرافها، الطرس: القرطاس، والأحم: الأسود،
[19] السرحة: الشجرة العظيمة وكذلك الدوحة.
[20] نبوة السيف: عدم قطعه، يقول: أنا سيف لا ينبو عند مقاتلتك وإن نبا السيف الحقيقي.
[21] العلم: الجبل، وكان العرب يوقدون ناراً بأعلى الجبال لهداية السارين.
[22] ربداء: أي ذات لون مغبر، تجفل: أي تسرع في الهرب.
[23] شاعر، أديب كان يرى رأى الشيعة، وقد ولى قلعة من قلاع حلب من قبل الملك محمود بن صالح فشق عصا الطاعة بها؛ فاحتال عليه الملك حتى سمه فمات سنة 466هـ.
[24] هتفت الحمامة: مدت صوتها، والبان: ضرب من الشجر، وفي قوله (تتلو من صبابتها صحفا) حسن وإبداع.
[25] الأسى: الحزن.






(2) تَقْسِيمُ الاستعارة إِلى أصْلِيَّة وتَبَعِيَّة
الأمثلة:
(1) قال المتنبي يَصِف قَلماً.
يَمُجُّ ظَلاَماً فِي نهارٍ لِسَانُةُ وَيفهَمُ عَمَّنْ قال ما لَيْسَ يَسْمَع
(2) وقال يخاطب سيف الدولة:
أُحِبك يا شمْسَ الزَّمان وبَدْرَهُ وإنْ لا منى فيكَ السُّها وَالفَرَاقِدُ [1]
(3) وقال المعرِّى في الرِّثَاءِ:
فَتًى عَشِقَتْهُ الْبَابلِيَّةُ حِقْبَةً فَلم يَشْفِهَا مِنْهُ برَشْفٍ وَلَا لَثْم [2]
* * *
(4) قال تعالى:
{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ أَخَذَ الألوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِين هُمْ لِرَبِّهمْ يَرْهَبُون}.
(5) وقال المتنبي في وصف الأَسد:
وَرْدٌ إِذَا وَردَ الْبُحَيْرَةَ شارباً وَرَدَ الْفُرَاتَ زَئِيرُهُ والنِّيلا [3]
البحث:
في الأَبيات الثلاثة الأُولى استعارات مكنية وتصريحية ففي البيت الأَول شُبِّه القلم (وهو مَرْجع الضمير في لسانه) بإنسان ثم حذف المشبه به ورُمز إِليه بشيءٍ من لوازمه وهو اللسان، فالاستعارة. مكنية، وشُبِّه المداد بالظلام بجامع السواد واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية. وشبِّه الورق بالنهار بجامع البياض ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية.
وفي البيت الثاني شبِّه سيف الدولة مرةً بالشمس؛ ومرّة بالبدر بجامع الرفعة والظهور، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به وهو الشمس والبرد وللمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية في الكلمتين، وشبِّه منْ دونه مرَّة بالسُّها ومرَّة بالنجوم يجامع الصِّغَر والخفاء، ثم استعير اللفظ الدالّ على المشبه به وهو السُّها والفراقد للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية في الكلمتين.
وفي البيت الثالث شُبِّهت البابلية وهي الخمر بامرأة ثم حذف المشبه به ورُمزَ إليه بشيء من لوازمه وهو "عشِقَتْهُ" على سبيل الاستعارة المكنية.
إِذا رجَعْتَ إِلى كل أَجراءِ أجريناه للاستعارات السابقة، رأيت أننا في التصريحية استعرنا اللفظ الدال على المشبه به للمشبه وأننا لم نَعْمل عملاً آخر، ورَمَزْنا إليه بشيءٍ من لوازمه، وأَن الاستعارة تمَّت أيضاً بهذا العمل؛ وإذا تأملت ألفاظ الاستعارات السابقة رأيتها جامدة غيرَ مشتقة. ويسمى هذا النوع من الاستعارة بالاستعارة الأَصلية.
انظر إِذًا إِلى المثالين الأَخيرين تجد بكل منهما استعارة تصريحية، وفي إجرائها نقول: شبِّه انتهاءُ الغضب بالسكوت بجامع الهدوء في كلًّ، ثم استعير اللفظ الدالُّ على المشبه به وهو السكوت للمشبه أو انتهاءُ الغضب ثم اشتق من السكوت بمعنى انتهاءِ الغضب سكت بمعنى انتهى.
وشُبِّه وصول صوت الأَسد إِلى الفرات بوصول الماءِ بجامع أن كلاًّ ينتهي إلى غاية ثم استعير اللفظ الدالّ على المشبه به وهو الورود للمشبه وهو وصول الصوت ثم اشتُقَّ من الورود بمعنى وصول الصوت ورد بمعنى وصل.
فإذا أنت وازنت بين إِجراءِ هاتين الاستعارتين وإِجراء الاستعارات الأولى رأيت أَن الإِجراءَ هنا لا ينتهي عند استعارة المشبه به للمشبه كما انتهى في الاستعارات الأُولى، بل يزيد عملا آخر وهو اشتقاق كلمة من المشبه به، وأن ألفاظ الاستعارة هنا مشتقة لا جامدة، ويسمى هذا النوع من الاستعارة بالاستعارة التبعية، لأن جريانها في المشتق كان تابعاً لجريانها في المصدر.
ارجع بنا ثانياً إلى المثالين الأخيرين لنـتعلم منهما شيئاً جديدًا، ففي الأول وهو "ولما سكت عن موسى الغضب" يجوز أن يشبه الغضب بإنسان ثم يحذف المشبه به ويرْمز إليه بشيءٍ من لوازمه وهو سكت فتكون في "الغضب" استعارة مكنية. وفي الثاني وهو "ورد الفرات زئيره" يجوز أن يشبِّه الزئير بحيوان ثم يحذف ويرمز إليه بشيء من لوازمه وهو ورد فيكون في "زئيره" استعارة مكنية، وهكذا كل استعارة تبعية يصحُّ أن يكون في قرينـتها استعارة مكنية غير أنه لا يجوز لك إجراء الاستعارة إِلا في واحدة منهما لا في كلتيهما معاً.
القواعد:
(14) تَكُونُ الاستعارةُ أَصْلِيّةً إِذا كان اللفظ الذي جَرَتْ فيه اسماً جامدًا.
(15) تكون الاستعارةُ تَبَعِيّةً إِذا كانَ اللفظُ. الذي جَرَتْ فيه مُشْتَقًّا أَوْ فِعْلا [4]
(16) كلُّ تَبَعِيّةٍ قَرينَتُها مَكْنِيَّةٌ ، وإذا أُجْريتْ الاستعارةُ في واحدةً منهما امْتَنَعَ إِجْرَاؤُها في الأُخرَى.
نموذج
قال الشاعر:
(1) عَضَّنا الدَّهر بنابِه لَيْت ما حلَّ بِنا بِهْ
(2) وقال المتنبي:
حَمَلْتُ إلَيْهِ مِنْ لِسَانِي حدِيقَةً سقاها الحِجا سَقى الرِّياضِ السَّحائب [5]
(3) وقال آخر يخاطب طائرًا:
أَنْت في خضْراءَ ضاحِكةٍ مِنْ بكاءِ العارض الهتِن [6]
الإجابة
(1) شُبِّه الدهر بحيوان مفْترس بجامع الإيذاء في كلٍّ، ثم حُذف المشبه به ورُمزَ إِليه بشيءٍ من لوازمه وهو "عض" فالاستعارة مكنية أصلية.
(2) شُبِّه الشعر بحديقة بجامع الجمال في كلٍّ، ثم استعير اللفظ الدالّ عل المشبه به للمشبه فالاستعارة تصريحية أصلية، وشُبِّه الحجا وهو العقل بالسحاب بجامع التأثير الحسن في كلّ وحذف المشبه به ورمز إِليه بشيءٍ من لوازمه وهو "سقَى" فالاستعارة مكنية أصلية.
(3) شُبِّه الإزهار بالضحِك بجامع ظهور البياض في كلٍّ، ثم استعير اللفظ الدال عل المشبه بهِ للمشبه، ثم اشتُقَّ من الضحك بمعنى الإزْهار ضاحِكة بمعنى مُزهِرة، فالاستعارة تصريحية تبعية.
ويجوز أن نضرب صفْحاً عن هذه الاستعارة، وأَن نجْريها في قرينتها فنقول: شبِّهت الأرض الخضراء بالآدميِّ، ثم حذف المشبه به ورمز إِليه بشيءٍ من لوازمه وهو ضاحكة فتكون الاستعارة مكنية.
وشُبِّه نزول المطرِ بالبكاء بجامع سقوط الماء في كلٍّ، ثم استعير اللفظ الدال عَلى المشبه به للمشبه، فالاستعارة تصريحية أصلية، ويجوز أن تُجْرَى الاستعارةُ مكنيةً في العارض.
تمرينـات
(1) بيِّن الاستعارةَ الأصليةَ والتبعية فيما يأتي:
(1) قال السَّرىُّ الرّفاءُ يَصِف شِعْرَهُ:
إذا ما صافَح الأسْماعَ بوْماً تَبسَّمتِ الضَّمائِرُ والقُلُوبُ
(2) وقال ابن الرُّومىّ:
بلدٌ صحِبْتُ بهِ الشَّبِيبَة والصَّبَا ولَبِسْتُ ثوْبَ اللَّهْو وهْوَ جديدُ
(3) وقال:
حيَّتْك عنَّا شمال طَافَ طائِفُهَا بِجنَّةٍ نَفحتْ روحاً وريْحانَا [7]
هبَّت سُحيْرًا فناجى الغُصْن صاحِبَه سِرًّا بهَا وتداعى الطيرُ إِعْلاَنا [8]
(4) وقال البحترى في وصف جيش:
وإِذا السَّلاحُ أضاء فِيهِ رأى العِدَا بَرًّا تَأَلَّق فِيهِ بحْرُ حديدِ [9]
(5) قال ابن نُباتةَ السَّعْدِى [10] في وصف مُهْرِ أغَرَّ [11] :
وأدْهمَ يَسْتَمِدُّ الليْلُ مِنْه وتطْلُع بَيْن عَيْنَيْهِ الثُّريا
(6) وقال التّهامىّ في رثاء ابنه:
يا كَوْكباً ما كانَ أَقْصرَ عُمْرَهُ وكَذاكَ عُمْرُ كَواكِبِ الأسْحار
(7) وقال الشريف في الشّيب:
ضؤءٌ تَشَعْشَع في سوادِ ذَوَائبي لا أَسْتضئُ بهِ ولا أسْتَصْبحُ [12]
بعْتُ الشبابَ بهِ على مِقةٍ لَه بَبْعَ العليمِ بِأَنَّه لا يرْبح [13]
(8) وقال البحتري في وصف قَصْر:
مَلأَتْ جَوانِبُهُ الفضَاءَ وعَانَقَتْ شُرُفاتُه قِطَعَ السِّحابِ المُمْطرِ
(9) وقال في وصف روضة:
يُضاحكها الضحى طَوْرًا وطوْراً عليْها الغيْثُ ينْسجِمُ انْسِجاما [14]
(10) وقال في الشَّيْب:
ولمَّةٍ كُنْتُ مشْغُوفاً بِجِدَّتِها فَما عفا الشَّيْبُ لِي عَنْها ولا صَفَحَا
(11) وقال ابن التَّعاوِيذى في وصف روضة:
وأعطافُ الغصُونِ لَها نشَاطٌ وأنْفاسُ النسِيم بها فُتُورُ [15]
(12) وقال مِهيار [16] :
ما لِسَارِى اللهْوِ في لَيْلِ الصَّبَا ضَلَّ في فَجْرٍ برأسي وضَحا
(2) اجعل الاستعاراتِ التبعية الآتيةِ أصليَّة:
(1) إِنْ أَمْطرتُ عيْنَاى سَحًّا فعنْ بَوَارقٍ في مَفْرِقي تَلْمعُ [17]
(2) إِنَّ التَّباعُد لا يَضُـ ـرُّ إِذَا تقاربت القُلُوب
(3) قال ابن المعتز يصف سحابة:
باكِيةٌ يَضحَكُ فيهَا بَرْقُهَا مَوْصُولةٌ بِالأرْض مُرخَاةُ الطُّنبْ [18]
(3) اجعل الاستعارات الأصليةَ تبعية فيما بأْتي:
(1) شرُّ الناس من يرْضى بهدم دِينه لبناء دنياه.
(2) شِراءُ النفوس بالإحسان خيرٌ من بيْعِها بالعُدْوان.
(3) إِن خَوض المرءِ فيما لا يعْنيهِ وفراره من الحق من أسباب عِثاره.
(4) خيْرُ حِليةٍ للشباب كَبْحُ النفس عند جُموحِها.
(4) هات ست استعارات منها ثلاث أصلية وثلاث تبعية.
(5) اشرح قول السريِّ الرَّفاءَ في وصف دولاب [19] وبيِّن ما فيه من استعارات:
فمِن جنَان تريك النَّوْرَ مُبْتَسماً في غيْر إِبّانِه والماء مُنْسَكِبَا [20]
كأنَّ دُولابها إِذ أنَّ مُغْتَرِبٌ نَأَى فحنَّ إِلى أوْطانِهِ طَربا [21]
باكٍ إذا عقَّ زهْرَ الروْض والدُهُ مِنَ الغَمام غَدا فِيهِ أباً حَدِبا [22]
مُشَمِّرٌ في مسِيرِ لَيْس بُبْعِدُهُ عن المَحلِّ ولا يُبْدِى لَه تَعبا [23]
ما زَالَ يَطلُبُ رِفْدَ البحْرِ مُجْتَهِدًا لِلْبَرّ حتَّى ارْتَدَى النُّوَّارَ والعُشُبَا [24]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] السها: نجم خفي يمتحن الناس به أبصارهم، والفراقد جمع فرقد: وهو نجم قريب من القطب. وفي السماء فرقدان ليس غير.
[2] الحقبة: المدة من الزمان ويراد بها المدة الطويلة، ورشف الماء: مصه، واللثم: التقبيل.
[3] الورد: الذي يضرب لونه إلى الحمرة، والمراد بالبحيرة مجيرة طبرية، أي أن زئير الأَسد شديد فإذا زأر في طبرية سمع زئيره من في العراق ومصر.
[4] تقسيم الاستعارة إلى أصلية وتبعية عام في الاستعارة سراء أكانت تصريحية أم مكنية، ومثال الاستعارة المكنية التبعية أعجبني إراقة الضارب دم الباغي، فقد شبه الضرب الشديد بالقتل بجامع الإيذاء في كل، واستعير القتل للضرب الشديد، واشتق منه قاتل بمعنى ضارب ضرباً شديدًا، ثم حذف ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الإراقة وهو الإراقة على طريق الاستعارة المكنية التبعية.
[5] الرياض مفعول به للمصدر وهو سقى سقى مضاف والرياض مضاف إِليه، وأصل الكلام سقى السحائب الرياض.
[6] في خضراء: أي في روضة خضراء، والعارض الهتن: السحاب الكثير الأمطار.
[7] الشمال: الريح التي تهب من ناحية القطب، ونفحت روحاً وريحاناً: أولت راحة وطيباً.
[8] الضمير في هبت يعود على الشمال. سحيراً:قبيل الصبح، وناجى: حدث سراً، وتداعى: دعا بعضه بعضاً.
[9] تألق البرق: لمع.
[10] هو أبو نصر عبد العزيز، كان شاعراً مجيداً جمع بين حسن السبك وجودة المعنى، ومعظم شعره جيد، وله ديوان كبير، توفى سنة 405 هـ.
[11] الغرة: بياض في جبهة الفرس.
[12] تشعشع الضوء: انتشر، واستصبح: استضاء بالمصباح.
[13] المقة: الحب.
[14] ينسجم: يسيل.
[15] الأعطاف جمع عطف وهو الجانب، الفتور: الضعف.
[16] هو أبو الحسن مهيار بن مرزوية الكاتب الفارسي الديلمي، كان مجوسياً وأسلم على يد الشريف الرضى ةتخرج في الشعر عليه، ويمتاز في شعره بجزالة القول ورقة الحاشية وطول النفس، وتوفى سنة 428 هـ.
[17] سحًّا: صبًّا، والبوارق جمع بارق وهو البرق، والمفرق: وسط الرأس وهو الموضع الذي يفرق فيه الشعر.
[18] الطنب: الحبل تشد به الحيمة، يقول: إن السحابة لثقلها بالماء تقرب أطرافها من الأرض.
[19] الدولاب: آلة كالناعورة يستقى بها الماء وهي المعروفة"بالساقية"
[20] إبان الشيء بالكسر والتشديد: وقته، يقال كل الفاكهة في إبانها: أي في وقتها.
[21] أنين الدولاب: صوته عند دورانه وحنين المغترب: شوقه وبكاؤه عند ذكر الوطن، والطرب: خفة تصيب الإنسان لشدة حزن أو سرور
[22] عقه: ضد بره، والأب الحدب: الأب الذي يتعلق بابنه ويعطف عليه، ويقول إذا جفا الغمام زهر الروض فلم يمطره قام الدولاب مقامه فكان للزهر بمنزلة الأب الحاني على ولده فتعهده وسقاه.
[23] يقول: إن الدولاب مجد في سيره ومن العجب أنه لا يبتعد عن مكانه ولا تبدو عليه علامات التعب.
[24] الرفد: العطاء، يقول: إن الدولاب ما برح يستجدى البحر للبر فيأخذ من مائه ويسقيه حتى ارتوى البر ونما زرعه واكتسى أثواباً من الأزهار النبات.






(3) تقسيمُ الاستعارة إلى مرشَّحة ومجرَّدة مُطلَقة
الأمثلة:
(أ)
(1) قال تعالى: { أُولئِكَ اَلَّذِينَ اشْتَرَوا الضَّلالَةَ بالْهُدَى فَمَا رَبحَت تجَارَتُهُمْ }.
(2) وقال البحترى:
يُؤَدُّونَ التَّحِيَّةَ مِنْ بَعيدٍ إلى قَمرٍ مِنَ الإيوان بَادِ [1]
(3) وقال تعالى: { إِنَّا لَمَّا طَغى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الجَاريَةِ [2] }.
* * *
(ب)
(4) وقال البحترىّ:
وأرى المنايا إنْ رَأتْ بكَ شَيْبَةً جَعَلَتْكَ مَرْمَى نَبلِهَا الْمُتَواتِر [3]
(5) كان فُلانٌ أكْتَبَ الناس إِذا شَرب قلمُهُ من دَوَاتِه أوْ غَنَّى فوْقَ قِرْطاسه.
(6) وقال قُرَيْظُ بن أُنَيْف [4] :
قَوْمٌ إِذَا الشَّرُّ أبْدَى ناجذيْهِ لَهُمْ طارُوا إِلَيْهِ زَرافاتٍ ووُحْدانَا [5]
البحث:
في الأمثلة الأولى استعارات تصريحية في "اشتروا " بمعنى اختاروا، وفي "قمر" الذي يراد به شخص الممدوح، وفي "طغى" بمعنى زاد، وقد استوفت كلُّ استعارة قرينتَها، فقرينة الأولى "الضلالة"، قرينة الثانية "يؤدون التحية" وقرينة الثالثة "الماءُ"، وإِذا تأملت الاستعارة الأولى رأيت أنها قد ذكِر معها شيءٌ يلائم المشبه به، وهذا الشيءُ هو "فما ربحت تجارتهم"، وإِذا نظرتَ إِلى الاستعارة الثانية رأَيت بها شيئاً من ملائمات المشبه، وهو "من الإيوان باد"، وإِذا تأملت الاستعارة الثالثة رأيتها خالية مما يلائم المشبه به أو المشبه.
والأمثلة الثلاثة الثانية تشتمل علي استعارات مكنية هي "الضمير" في رأت الذي يعود على المنايا التي شُبِّهتْ بالإنسان. و"القلم" الذي شُبِّه بالإنسان أيضاً و "الشر" الذي شُبِّه بحيوان مفترس، وقد تمَّتْ لكل استعارة قرينتها، إِذْ هي في الأُولى إِثبات الرؤْية للمنايا، وفي الثانية إثبات الشرب والغناء للقلم، وفي الثالثة إِثبات إِبداء الناجذيْن للشر.
وإِذا تأملتَ رأيتَ أن الاستعارة الأولى اشتملت على ما يُلائم المشبه به وهو "جعلتك مرمى نبلها" وأَنَّ الاستعارة الثانية اشتملت على ما يلائم المشبه وهو "دواتُه قرطاسه"، وأَنَّ الاستعارة الثالثة خَلَتْ مما يلائم المشبه أَو المشبه به، الاستعارة التي من النوع الأَول تسمى مرشحة، والتي من النوع الثاني تسمى مجردة، والتي من النوع الثالث تسمى مطلقة.
القواعـد:
(17) الاستعارة المُرَشحَةُ: ما ذُكِرَ معها مُلائم المشبَّهِ بهِ.
(18) الاستعارةُ المجرَّدَةُ: ما ذكِرَ معها مُلائمُ المشبَّه.
(19) الاستعارُة الْمُطْلَقة: ما خَلَتْ من مُلائماتِ المشبَّهِ به أو المشبَّه [6] .
(20) لا يُعْتَبَرُ الترشيحُ أو التجريدُ إِلا بَعْدَ أنْ تَتمَّ الاستعارةُ باستيفائها قَرينَتَها لفظيةً أو حالِيَّةً، ولهذا لا تُسَمّى قَرينةُ التصريحية تجْريدًا، ولا قِرينةُ المكْنيةِ تَرْشِيحاً.
نَمـوذَج
(1) خلُقُ فلانٍ أرقُّ من أنْفاس الصَّبا إِذا غازلت أزْهارَ الرُّبا [7] .
(2) فَإِنْ يهْلِك فكلُّ عمودِ قَوْم مِن الدُّنْيا إِلى هُلْك يَصِيرُ
(3) إِنِّي شديد العطشِ إِلى لِقائِك.
(4) وليْلَةٍ مَرضَتْ مِنْ كُلِّ ناحِيةٍ فَمَا يضئ لَها نَجمٌ ولا قَمَرُ
(5) سقاكِ وحيًّانا بِكِ الله إِنَّما على العِيس نَورٌ الخُدور كمائِمهْ [8]
الإجابـة
(1) في كلمة الصَّبا وهي الريح التي تَهُبُّ من مطلَع الشمس - استعارة مكنية لأَنها شُبِّهت بإِنسان وحذِف المشبه به ورُمِزَ إِليه بشيءٍ من لوازمه وهو أَنفاس الذي هو قرينة المكنية، وفي "غازلت" ترشيح.
(2) في عمود استعارة تصريحية أَصلية، شُبِّه رئيس القوم بالعمود بجامع أَنَّ كلاًّ يحْمِل، والقرينة "يهلِك"، وفي "إلى هُلْك يصبر" تَجْريد.
(3) شُبِّه الاشتياق بالعطش بجامع التطلع إلى الغاية، فالاستعارة تصريحية أصلية، والقرينة "إلى لقائك" وهي استعارة مطلقة.
(4) في مرضت استعارة تبعية شُبِّهت الظلمة بالمرض والجامع خَفَاء مظاهر النشاط، ثم اشتُق من المرض مرِضت، فالاستعارة تصريحية تبعية، وفي "ما يضئُ لها نجم ولا قمر" تجريد.
(5) النورُ: الزهْر، أو الأَبيض منه، والمراد به هنا النبساء، والجامع الحُسْن؛ فالاستعارة تصريحية أصلية، وفي ذكر الخُدور تجريد، وفي ذكر الكمائم ترشيح فالاستعارة مطلقة.
تمرينـات
(1) بيِّن نوع كل استعارة فيما يأْتي، وعيِّن الترشيح الذي بها:
(1) قال السريّ الرفاء:
وقدْ كتَبَتْ أَيْدى الرّبيع صحائفًا كأَنَّ سُطُورَ السَّرْوِ حُسْناً سُطُورُهَا [9]
(2) إذا ما الدَّهْرُ جرَّ على أُناسٍ كلا كله أَناخَ بآخَرينا [10]
(3) وقال المتنبي في ذمّ كافور:
نَامَت نَواطِيرُ مِصر ثَعالِبِها وقَدْ بشِمْن وما تَفْنى العناقيد [11]
(4) وقال آخر في وصفِ موْقِعةٍ:
والمَوْت يخْطُرُ في الجُموعِ وحَوْلَهُ أَجْنادهُ مِنْ أِنْصُلٍ وعَوَالي [12]
(5) رأَيت حباَل الشمس كفة حابل تُحيط بِنَا مِنْ أَشْمُلٍ وحُنُوبِ [13]
نَروحُ بِها والموْتُ ظَمْانُ ساغِبٌ يلاحِظُنا في جيئةٍ وذُهوبِ [14]
(6) وقال المتنبي:
أتى الزَّمانَ بَنُوهُ في شَبِيبتِهِ فَسرَّهمْ وأَتَيْناه على الهَرَم [15]
(7) وقال أَبو تمام:
نامَت هُمومِى عَنِّى حِينَ قُلْتُ لَهَا هذَا أَبو دُلَفٍ حَسْبي بهِ وكَفى!
(8) حاذِرْ أِن تقتُلَ وقْتَ شبابِك، فإِنَّ لكلِّ قتلٍ قِصَاصاً
(9) وقال بعضهم في وصف الكتب:
لنَا جُلَسَاءُ لا نَمَلُّ حَدِيثَهمْ أَلِبَّاءُ مأْمُونُون غَيْبًا وَمَشْهَدَا
(10) وقال أَبو تمام:
لمَّا انْتضَيْتُك لِلْخُطُوبِ كُفِيتُها والسَّيْفُ لا يكْفِيك حتى ينتضى [16]
(11) تَلطَّخَ فلان بعار لن يُغْسل عنه أَبدًا.
(2) ما نوع الاستعارات الآتية وأَين التجريد الذي بها؟
(1) رَحِمَ الله امرأً أَلجمَ نَفْسَه بإِبعادها عن شهواتها.
(2) اشتَر بالمعروف عِرْضَكَ من الأَذى.
(3) أضاءَ رأْيُهُ مُشْكلاتٍ الأُمور.
(4) انطلق لسانُه عن عِقاله فأَوْجز وأَعْجَزَ.
(5) ما اكتحلت عينُه بالنوم أَرقاً وتَسهيدًا.
(6) قال المتنبي:
وغَيَّبَتِ النَّوى الظَّبيَاتِ عنِّى فَسَاعَدَتِ البَراقِعَ والحِجالا [17]
(7) لا تَخض في حديثٍ ليس من حقِّكَ سماعه.
(8) لا تتَفكَّهُوا بأعراض الناس، فَشَرُّ الخُلُقِ الغِيبة.
(9) ببن فَكَّيْهِ حُسام مُهَنَّدٌ، له كلام مُسَدَّد.
(10) اكتست الأَرضُ بالنباتِ والزهْر.
(11) تَبسَّم البَرق فأضاء ما حولَه.
(3) بيِّن لِمَ كانت الاستعارات الآتية مطلقة واذكر نوعها:
(1) قال أَعرابي في الخمر: لا أشرب ما يَشْربُ عقلي.
(2) وقال المتنبي يخاطب ممدوحه:
يا بدْرُ يا بحرُ يا غمامةُ ياليـ ـث الشَّرَى يا حِمامُ يا رَجُلُ [18]
(3) ووصف أعْرابي قَحْطاً فقال: التراب يابسٌ والمال عابس [19] .
(4) وقال تعالى: {أُولئِكَ الَّذِين اشتَروُا الضَّلالة بِالهُدَى والعَذابَ بالمغفِرةِ، فما أصْبَرهمْ على النَّارِ}.
(5) رأيتُ جِبالا تَمْخُر العُباب.
(6) طار الخبَر في المدينة.
(7) غنًى الطيرُ أُنْشُودَتَهُ فوق الأغصان.
(8) برزَتِ الشمسُ من خِدْرِها.
(9) يَهْخم علينا الدَّهْرُ بجيش من أيامِهِ ولياليه.
(4) بيِّن الاستعارات الآتية وما بها من ترشيح أو تجريد أَو إطلاق
(1) قال المتنبي:
في الخدِّ إِنْ عزَم الخَلِيطُ رحِيلا مطرٌ تَزيد بِه الخُدُود محولا [20]
(2) قال التِّهامىُّ يعتذر لحسَّاده:
لا ذَنْب لي قدْ رُمْتُ كَتم فَضَائلي فَكأَنَّما برقعْتُ وجْهَ نهار
(3) قال أبو تمام في المديح:
نَال الْجزيرةَ إِمْحالٌ فقُلتُ لهمْ شِيموا نَداه إذا ما البرْقُ لَم يُشَم [21]
(4) قال بدرُ الدين يوسُف الذهبي [22] :
هلم يَا صاحِ إِلى رَوْضَةٍ يجْلُو بِها العاني صدَا هَمِّهِ [23]
نَسِيمُهَا يَعْثُرُ فِي ذيلهِ وَزَهْرُهَا يضْحَك فِي كُمِّهِ
(5) قال ابن المعتز:
ما تَرى نِعْمةَ السَّماءِ على الأرْ ض وشُكْرَ الرِّياضِ للأمْطارِ [24] ؟
(6) قال سعيدُ بن حميد [25] :
وعَد البدْرُ بالزيارةِ لَيْلا فَإذا ما وفى قَضيْتُ نُذُورِى
(7) زارني جبل ضِقْتُ ذَرْعًا بِثرْثَرتِهِ [26] .
(8) قال أعرابي: ما أشدَّ جَوْلَة الرأى عند الهوَى، وأشقَّ فِطامَ النفس عند الصَّبا [27].
(9) ووصف أعرابي بَنِى بَرْمك فقالَ: رأيتهم يقد لبسُوا النعمة كأنها مِنْ ثيابهم.
(5) اجعل الاستعارات الآتية مرَّة مرشحة مرة مجردة:
لا تلبَس الرياءَ، ولا تَجرِ وراء الطيش، ولا تعبَثْ بمودةِ الإِخوان، ولا تصاحب الشرَّ، ولا تنخدع إذا نظرتَ في الأمور- بسراب [28] بل اتبَّع النور دائماً في هذه الدنيا، واجتنب الظلام، وإذا عَثرت فقم غير يائس. وإِذا حاربك الدهر، فتجمَّل غير عابس.
(6)
(أ) هات ستَّ استعارات تصريحية فيها المرشحة والمجردة والمطلقة.
(ب) " " " مكنبة " " " "
(7) اشرح الأبيات الآتية وبيِّن ما فيها من ضروب الحُسْنِ البياني:
قال الشريف في وصف ليلة:
1. وليْلةٍ خُضْتُها على عجَلٍ وصُبْحُها بِالظَّلام مُعْتَصِمُ [29]
2. تطَلَّع الفَجْرُ في جوانِبِها وانْفَلَتتْ مِنْ عِقَالِها الظلم [30]
3. كأنَّما الدَّجْنُ في تَزاحُمِهِ خيْلٌ، لَها مِنْ بُرُوقهِ لُجمُ [31]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الإيوان: مكان مرتفع في البيت يجلس عليه.
[2] الجارية: السفينة.
[3] النبل المتواتر: الكثير المتوالي.
[4] هو قريظ بن أنيف من شعراء الحماسة هو شاعر إسلامى.
[5] الناجذان: النابان، وإبداء الشر ناجذيه كناية عن شدته وصعوبته. يصفهم بالإقدام على المكاره والإسراع إلى الشدئد وأنهم لا يتواكلون ولا يتخاذلون.
[6] من نوع الاستعارة المطلقة الاستعارة التي تشمل على ترشيح وتجريد معاً، مثالها في التصريحية، نطق الخطيب بالدرر، براقة ثمينة، فارتاحت لها الأسماع. ومثالها في المكنية، قصف الموت شبابه قبل أن يزهر ويصل إلى الكهولة.
[7] الربا: الأماكن العالية.
[8] الخطاب في سقاك لمحبوبته، يدعو لها بالسقيا وأن يحياًّ بها كما يحيًّا الناس بالأزهار. والعيس ا لأبل. والكمائم جمع كمامة: وهي غلاف الزهرة.
[9] السرو: شجر عال.
[10] الكلكل: الصدر، يقول: إن عادة الدهر تكدير العيش فهو يصيب قوماً بأذاه ثم ينتقل إلى إصابة غيرهم.
[11] الناطور: حارس الزرع، وبشم أخذته تخمة وثقل من كثرة الأكل، يقول: إن سادات مصر غفلوا عن العبيد فعبثوا بالأموال حتى أكلوا فوق الشبع.
[12] الأنصل جمع نصل: وهو حديدة السيف، والعوالي: الرماح.
[13] المراد بحبال الشمس أشعتها، وكفة الحابل: فخ الصياد، وأشمل جمع شمال.
[14] ساغب: أي جائع.
[15] الهرم: الشيخوخة، يقول: إن بني الزمان من الأمم السالغة جاءوا في حداثة الدهر ونضرته فسرهم، ونحن أتيناه وقد هرم فلم يبق عنده ما يسرنا.
[16] انتضى السيف: جرده من غمده.
[17] النوى: البعد والفراق، والمقصود بالظبيات هنا الحسان، والحجال: الخدور ومفردها حجلة.
[18] الشرى: مكان في بلاد العرب يوصف بكثرة الأسود.
[19] المال: ما ملكه من كل شيء، وعند أهل البادية الإبل.
[20] الخليط: الرفيق المعاشر، والمحول: الجدب، والمراد به هنا الشحوب وزوال النضرة بسبب الحزن.
[21] الإمحال: الجدب، وشام البرق: نظر إليه منتظراً مطره، والمعنى اطلبوا نداه إذا يئستم من صدق البر.
[22] من الشعراء المعدودين بالشام في طليعة عصر المماليك، وكان سهل الشعر عذبه مولعاً بالمحسنات اللفظية، وتوفى سنة 680 هـ.
[23] العاني: المتعب الحزين.
[24] في البيت استفهام محذوف، أي أَما ترى الخ ، والمراد بشكر الرياض ازدهارها.
[25] كاتب مترسل وشاعر رقيق الشعر نحا فيه منحى ابن أبى ربيعة، وقلده المستعين العباسي ديوان رسائله، وتوفى سنة 250هـ.
[26] ضاق به ذرعاً. ضعفت طاقته عنه ولم بجد منه مخلصاً، والثرثرة: كثرة الكلام وترديده
[27] الصبا: الميل إِلى الجهل والفتوة.
[28] السراب: ما تراه. نصف النهار كأنه ماء.
[29] معتصم: أي مستمسك بالظلام متحصن به.
[30] العقال: قيد الدابة.
[31] الدجن: الغيم يملأ أقطار السماء، واللجم: جمع لجام.






(4) الاستعارُة التمثيليَّة
الأَمثلة:
(1) عادَ السَّيْفُ إلى قِرَابهِ، وَحلَّ اللَّيْثُ منيعَ غابه.
(المجاهد عاد إِلى وطنه بعد سفر)
(2) قال المتنبي:
وَمَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَريضٍ يَجِدْ مُرًّا بهِ الْمَاءَ الزُّلالا
(لمن لم يرزق الذَّوْق لفِهْم الشعر الرائع)
(3) قطعَتْ جَهيزةُ قَوْلَ كلِّ خَطِيب.
(لمن يأْتي بالقول الفَصْل)
البحث:
حينما عاد الرجل العامل إِلى وطنه لم يَعُد سيف حقيقيّ إِلى قرابه، ولم يَنزِل أَسَد حقيقيّ إِلى عرِينه، وإِذًا كل تركيب من هذين لم يستعمل في حقيقته، فيكون استعماله في عوْدة الرجل العامل إِلى بلده مجازًا والقرينة حالِيَّة، فما العلاقة بين الحالين يا ترى، حالِ رجوع الغريبِ إلى وطنه، وحال رجوع السيف إِلى قِرَابه؟ العلاقة المشابهة. فإِن حال الرجل الذي نزل عن الأَوطان عاملا مجِدًّا ماضياً في الأُمور ثم رجوعَه إِلى وطنه بعد طول الكدِّ، تشْبه حال السيف الذي استُلَّ للحرب والجِلاد حتي إِذا ظفِر بالنصر عاد إِلى غِمْده. ومثل ذلك يقال في: "وحلَّ الليث مَنِيع غابهِ".
وبيت المتنبي يدل وضْعه الحقيقيّ على أَن المريض الذي يصاب بمرارة في فمه إذا شربَ الماءَ العذبَ وجده مُرًّا، ولكنه لم يستعمله في هذا المعنى بل استعمله فيمن يَعيبون شِعْرَه لعيْب في ذوقهم الشعري. وضعْف في إدراكهم الأدبي، فهذا التركيب مجاز قرينته حالِيَّة، وعلاقته المشابهة، والمشبه هنا حال المُولَعين بذمه والمشبه به حال المريض الذي يجد الماءَ الزلال مرًّا.
والمثال الثالث مَثلٌ عربيٌ، أَصلُهُ أن قوماً اجتمعوا للتشاور والخطابة في الصلح بين حييْن قَتلَ رجل من أَحدهما رجلاً من الحي الآخر، وإنهم لكذلك إذا بجارية تُدْعَى جَهيزةَ أَقبلت فأَنبأَتهم أَنَّ أَولياءَ المقتول ظَفِرُوا بالقاتل فقتلوه، فقال قائل منهم: "قَطَعَتْ جَهيزَةُ قَوْلَ كلِّ خَطِيب"، وهو تركيب يُتَمَثلُ به في كل موطن يؤتي فيه بالقول الفضل.
فأَنت ترى في كل مثال من الأمثلة السابقة أن تركيباً استعمل في غير معناه الحقيقي، وأنَّ العلاقة بين معناه المجازى ومعناه الحقيقي هي المشابهة. وكل تركيب من هذا النوع يُسمَّى استعارة تمثيلية [1] .
القاعـدة:
(21) الاستعارةُ التمثيلية تركيبٌ استُعْمِلَ في غير ما وُضِعَ له لِعلاَقَةِ المشابَهةِ مَعَ قَرينَةٍ مَانِعةٍ مِنْ إِرادةِ مَعْناهُ الأَصْلي.
نَمُوذَجٌ
(1) من أَمثال العرب:
قَبْل الرَّماءِ تُمْلأُ الْكنَائِن [2] (إِذا قُلْتَه لمن يريد بناءَ بيت مثلاً قبل أَن يتوافر لديه المال).
(2) أَنت ترقُمُ على الماءِ (إِذا قلتَه لمن يلِحُّ في شأْن لا يمكن الحصولُ منه عد غاية).
الإجابة
(1) شُبِّهَتْ حال من يريد بناءَ بيت قبل إعداد المال له. بحال من يريد القتال وليسَ في كِنانته سهام، بجامع أَن كلا منهما يتعجل الأَمر قبل أَن يُعِدَّ له عُدتهُ، ثم استعير التركيب الدال على حال المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التمثيلية، والقرينة حاليَّة.
(2) شُبِّهت حالُ من يُلحُّ في الحصول على أَمر مستحيل، بحال من يرقُمُ على الماءِ، بجامعِ أَن كلاًّ منهما يعْملُ عملاً غيْر مُثْمِرٍ، ثم استعير التركيب الدال على المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التمثيلية، والعرينة حاليَّة.
تمرينات
(1) افرض حالاً تجْعَلُها مشبهاً لكُلٍّ من التراكيب الآتية، ثم أَجْرِ الاستعارة في خمسة تراكيب.
(1) إِنَّك لا تَجْني من الشَّوْكِ العنبَ. (11) المورِدُ الْعذْبُ كثير الزِّحام.
(2) أَنت تنْفُخُ في رَمَادٍ. (12) اعْقِلها وتوَكلْ [3] .
(3) لا تنْثُرِ الدُّر أمام الخنازير. (13) أَنتَ تحْصُدُ ما زَرَعْتَ.
(4) يبتغي الصَّيْدَ في عِرِّيسَة الأسد [4] . (14) أِلْقِ دَلْوَكَ في الدِّلاءِ.
(5) أَخذ الْقوْسَ باريها. (15) يُخَرِّبون بيوتَهم بأَيديهم.
(6) اِستسْمَنْت ذا وَرَم. (16) إنَّ الحديد بالحديد يُفلحُ [5] .
(7) أَنت تَصرب في حديد بارد. (17) لا بُدَّ للمصدور أَن يَنْفُث [6]
(8) هو يَـبني قصوراً بغير أَساس. (18) لكلِّ جوادٍ كبْوة [7] .
(9) لكل صارم نبْوَة [8] . (19) ومَن قصَد البحْرَ استقلَّ السَّواقِيا [9]
(10) لا يُلْدَغُ المؤْمنُ من جُحر مَرّتيْنِ. (20) أحَشفاً وسؤَ كِيلة [10] .
(2) بيَّن نوع كل استعارة من الاستعارات الآتية وأَجرها:
(1) قال المتنبي:
غاض الْوفَاءُ فما تلقاهُ فِي عِدَة وأعوَز الصدْقُ فِي الأخبار والقسم [11]
(2) قال البحترى:
إذا ما الْجُرْحُ رُمََّ علَى فسَادٍ تبَيَّنَ فِيهِ إهمال الطَّبيبِ [12]
(3) وحال الشاعر:
متى يبلغُ البُنْيان يوْماً تَمامهُ إذا كُنْتَ تَبنِيهِ وغيْرُكَ يهْدِمُ؟
(4) وقال تعالى: {اِهْدنا الصَراط المسْتقِيمَ}.
(5) وقال تعالى: {وتَركْنَا بَعْضهم يوْمئذ يَمُوجُ فِي بعْض ونُفِخَ في الصُّور فجَمَعْناهم جمعاً}
(6) وقال البارودى [13] .
في لُجَّةِ البَحْرِ ما يُغْنِى عَنِ الوَشل [14] !
(7) وقال آخر.
وَمَن مَلك البلادَ بغير حرْبٍ يهونُ علَيْهِ تسْلِيمُ البلاد
(8) وقال:
أَضاءَتْ لهمْ أَحْسَابُهُم ووجُهُهُم دُجَى الليل حتى نَظَّمَ الجَزْعَ ثاقبُهْ [15]
(9) وقال الشاعر:
وَمَنْ خَطبَ الْحَسْناءَ لمْ يُغْلِه الْمَهْرُ [16]
(10) وقال المتنبي:
إِليْكِ فإِنِّي لِستُ مِمََّنْ إِذا اتَّقي عِضَاضَ الأَفاعى نام فوْق العقَارب [17]
(11) أَنت كمستبضع التمرِ إِلى هَجْر [18] .
(12) وقال المتنبي:
وتُحْي لهُ المال الصَّوارمُ والْقنَا ويقْتُل ما تُحيى التّبَسُّم والْجدَا [19]
(13) وقال يخاطب سيف الدولة:
أَلا أَيُّها السَّيفُ الذِي ليس مُغْمَدًا ولاَ فيهِ مُرْتابٌ ولا مِنْه عاصم
(14) لاَ يضُرُّ السحابَ نُباح الكلاب.
(15) لا يَحمد السيفُ كلَّ منْ حَملَه [20]
(16) وذي رحِمٍ قَلَّمْتُ أَظْفارَ ضِغنِهِ بِحِلْمىَ عنهُ وَهْو لَيْس لَهُ حِلمُ [21]
(17) لا تعْدَمُ الْحسْناءُ ذاَماً [22]
(18) {ربَّنَا أَفْرِغْ علَيْناَ صَبْرًا وتَوفَّنا مُسْلِمين}.
(3) اجعل التشبيهات الضمنيةَ الآتية استعاراتٍ تمثيلية بحذف المشبه وفْرض حال أخرى مناسبة تجعلها مشبهة:
(1) قال المتني:
ولَم أرجُ إلاَّ أهْل ذَاك ومَن يُرِدْ مَوَاطِرَ مِنْ غير السَّحائبِ يَظْلم [23]
(2) فإن تزعم الأمْلاكُ أَنك مِنهمُ فَخَارًا فإن الشَّمسَ بعضُ الكَواكب
(3) وقال:
خُذْ ما تَراهُ وَدَعْ شيْئاً سَمِعْتَ بِهِ في طَلْعةِ البَدْر ما يُغْنِيك عنْ زَحَلِ [24]
(4) وقال:
لعلَّ عتْبَكَ مَحمُودٌ عواقِبُهُ وَرُبما صحّتِ الأجْسَام بالعِلل
(5) وقال بعضهم في شريف لا يكاد يجد قوتاً:
أيشْكُو لئيمُ القوم كظًّا. وبطْنَة وَيَشْكُو فتى الْفِتْيانَ مسّ سُغُوبِ [25]
لأمرٍ غَدا ما حَوْل مَكَّة مقفِرًا جدِيباً وباقي الأرض غَيْر جدِيب [26]
(4) اجعل الاستعارات التمثيلية الآتية تشبيهات ضمنية بذكر حال مناسبة تجعلها مشبهة قبل كل استعارة:
(1) يمشى رُوَيْدًا ويكُونُ أوَّلاً [27]
(2) رضيتَ من الغنيمة بالإِياب [28]
(3) أَنت تضئُ للناس وتحْتَرقُ.
(4) كَفى بك داءً أن تَرَى المَوتَ شَافِياً.
(5) ليس التَّكحُّلُ في العيْنَين كالكَحَل [29] .
(6) ولا بُدَّ دُون الشَّهْدِ مِنْ إبرِ النَّحْل [30] .
(7) هو ينْفُخُ في غير ضرَم [31] .
(8) أنت تحْدو بلاَ بعير [32] .
(5) اذكر لكل بيت من الأَبيات الآتية حالاً يُستشهد فيها بهِ ثم أَجر الاستعارة وبين نوعها:
(1) قال المتني:
وَمن يَجْعَل الضَّرْغامَ لِلصيْدِ بَازَهُ تصَيَّدَهُ الضّرْغَامَ فيما تَصيّدَا [33]
(2) أرى خَلَل الرّمادِ ومِيض نَارٍ ويُوشك أَن يكون لها ضرامُ [34]
(3) قدِّر لِرجْلِك قَبْل الخطْوِ موْضِعها فَمنْ علاَ زلقاً عَنْ غِرَّة زَلجا [35]
(4) وقال المتني:
وفي تعبٍ منْ يحْسُدُ الشَّمْسَ ضَوءَها ويِجهدُ أَن يأتي لهَا بِضريب [36]
(5) وقال البوصيرى:
قدْ تُنْكر العين ضوءَ الشمس مِن رَمَدِ ويُنْكرُ الفمُ طعْمَ الماءِ من سقم [37]
(6) وقال المتنبي:
إِذا اعْتاد الفتى خوْضَ المنايا فأيسرُ ما يمُر بهِ الوُحولُ [38]
(7) وقال:
ما الذي عِنْده تُدارُ المنايا كالَّذي عِنده تُدارُ الشمول [39]
(8) قال كُثيّر عَزَّة [40]:
هنِيئاً مريئًا غَير داءٍ مُخامرِ لِعزَّةٍِ منْ أعْراضِنا ما اشتحلَّتِ [41]
(9) زعم الفرزْدق[43] أن سيقْتُل مِرْبَعاً أبْشرْ بِطول سلامة يا مِرْبع [42]
(10) ولا بُدَّ لِلماء في مِرجل علَى النَّارِ مُوقدَةً أن يفورا [44]
(11) إذا قالتْ حذَام فَصدِّقُوها فإنَّ القَوْل ما قالتْ حذَام [45]
(12) لَقدْ هُزِلتْ حتَّى بدا مِن هُزالِها كُلاها وحتى سَامها كلُّ مفلِس [46]
(6)
(أ) هاتِ استعارة تمثيلية تضْربها مثلاً لمن يكْسلُ ويطمع في النجاح.
(ب) " " " " " " ينفق أَموالَه في عمل لا ينتج.
(حـ) " " " " " " يكتب ثم يمحو ثم يكتب ثم يمحو.
(د) هات مثلين عربيين وأَجر الاستعارة التمثيلية في الكيل منهما.
(7) اشرح قول المتنبي بإيجاز، واذكر ما أَعجبك فيه من التصوير البياني:
1. رماني الدَّهْرُ بالأَرْزَاء حتى فُؤَادي في غشاءٍ من نِبال [47]
2. فصِرْتُ إذا أَصابتني سِهامٌ تَكسَّرتِ النِّصال عَلَى النصال [48]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] لابد أن يكون كل من المشبه به في الاستعارة التمثيلية صورة منتزعة من متعدد كما تراه واضحاً في الأمثلة.
[2] الرماء: رمي السهام، والكنائن جمع كنانة وهي وعاء السهام.
[3] الضمير في اعقلها يعود على الناقة: أي قيدها ثم توكل على الله، أما أن تتركها بلا عقال ثم تتوكل على في حفظها فلا يجوز.
[4] العريسة. مأوي الأسد.
[5] يفلح: يقطع.
[6] المصدور: المصاب بمرض في صدره، والنفث النفخ، ورمى النفلثة.
[7] كبوة الجواد: عثرته.
[8] النبوة: عدم قطع السيف.
[9] السواقى: الأنهار الصغيرة.
[10] الحشف: ردئ التمر، والكيلة اسم بمعنى الكيل.
[11] غاض الماء: قل ونقص، والعدة: الوعد، وأعوز: عز وقل.
[12] رم الجرح: أصلح وعولج.
[13] هو محمود سامي البارودي حامل لواء النهضة الشعرية الحديثة، شعر يشاكل شعر الفحول في صدر العصر العباسي، مات سنة 1322هـ.
[14] اللجة معظم الماء، والوشل: القليل.
[15] الجزع: الحرز، وتنظيم الجزع ضمه في سلك، وثقب الشيء: أوجد به ثقباً.
[16] لم يغله المهر: أي لم يجده باهظاً.
[17] إليك: أي كفى، يقول كفى عني فإني لست ممن إذا خاف من الهلاك صبر على الذل، وفجعل الأفاعي مثلا للهلاك لأنها تقتل دفعة واحدة، والعقارب مثلا للذل لأنها إذا لم تقتل تكرر لسعها فكانت أطول عذاباً.
[18] هجر: قرية باليمن تشتهر بكثرة تمرها.
[19] الصوارم: السيوف، والقنا: الرماح، والجدا: العطاء، أي أن السيوف والرماح تجمع له غناءم الأعداء، والكرم يفرق ما جمعت.
[20] أي أن السيف لا يحمد كل حامل له فقد يكون حامله حجباناً أوجهلاً لضروب القتال.
[21] الضغن: الحقد.
[22] الذام: العيب.
[23] المواطر جمع ماطر، يقول أنت أهل لما رجوته منك، وأنا أعلم أني لم أضع رجائي في غير محله فلست كمن يرجو المطر من غير السحاب.
[24] امدحه بما تراه منه، واترك ما سمعت به من شرف أجداده؛ فإن من ظهر له البدر استغنى بنوره عن زحل: وهو نجم بعيد خفي.
[25] الكظ والبطنة: الامتلاء الشديد من الطعام، والسغوب: الجوع.
[26] مقفرًا: خالياً من النبات. والجديب: المكان لا خصب فيه.
[27] يضرب للرجل يدرك حاجته تؤدة ودعة.
[28] مثل يضرب عند القناعة بالسلامة.
[29] التكحل: وضع الكحل قي العين، والكحل:سواد الجفون خلقة، أي ليس المصنوع كالمطبوع.
[30] الشهد: العسل في شمعها، وإبرة النحل: شوكتها، يقول من طلب الشهد لم يصل إليه حتى يقاسى لسع النحل.
[31] الضرم: الجمر.
[32] الحدو: سوق الإبل والغناء لها.
[33] الضرغام: الأسد يقول: من اتخذ الأسد بازاً يصيد به لم يأمن أن يصيده الأسد.
[34] الخلل: منفرج ما بين الشيئين، ووميض النار لمعانها، والضرام: اشتعال النار في الحطب.
[35] الزلق: الأرض الملساء التي لا تثبت فيها قدم، والغرة: الغفلة، وزلج زل وسقط.
[36] الضريب: المثيل، و يمثل الشاعر ممدوحه بالشمس ويمثل حساده بمن يريد أن يأتي للشمس بنظير فهو في تعب دائم، لأنه يجهد نفسه في طلب المحال.
[37] تنكر: تجهل، والسقم: المرض.
[38] يقول: إذا تعود الإنسان خوض معارك الحرب لم يبال الوحول، يريد. أن الوحل لا يمنعه من السفر لأنه متعود ما أشد من ذلك.
[39] الشمول: الخمر، أي ليس من يشتغل بالحرب كمن يشتغل باللهو.
[40] شاعر متيم مشهور من أهل الحجاز، وفد على عبد الملك بن مروان فازدرى منظره إلى أن عرف أدبه فرفع مجلسه، وأخباره مع عزة بنت جميل كثيرة، وكان عفيفاً في حبه، توفي بالمدينة سنة 105هـ.
[41] الداء المخامر: الدفين المستتر، أي أن ما استحلته عزة من ثلب أعراضنا يحل لها حال كونه هنيئاً غير مسبب لها داء ولا ألماً.
[42] هو أبو فراس همام بن غالب. تغلب على شعره فخامة الألفاظ. وكان بينه وبين جرير مهاجاة ومنافسة مات سنة 110هـ.
[43] مربع: اسم رجل، وفي البيت من السخرية الهزؤ بالفرزدق ما فيه.
[44] المرجل: القدر.
[45] حذام: امرأة من العرب اشتهرت بصدق الحدس,
[46] هزلت: أي ضعفت ونحف جسمها والضمير للشاة، والكلى جمع كلية، وسامها أراد شراءها، والمفلس: من لم يبق له مال.
[47] الأرزاء: المصائب، والغشاء.: الغلاف، والنبال: السهام العربية، يقول: كثرت على مصائب الدهر حتى لم يبق من قلبي موضع إلا أصابه سهم منها فصار في غلاف من السهام.
[48] النصال: حدائد السهام، يقول: صرت بعد ذلك إذا أصابتني من تلك المصائب لا تجد لها موضعاً تنفذ منه إلى قلبي، وإنما تقع نصالها على نصال السهام التي قبلها فتنكسر عليها.







(5) بلاغة الاستعارة
سبق لك أَن بلاغة التشبيه آتية من ناحيتين: الأُولى تأْليف أَلفاظه، والثانية ابتكار مشبه به بعيد عن الأَذهان، لا يجول إِلا في نفس أديب وهب الله له استعدادًا سليماً في تعرُّف وجوه الشَّبه الدقيقة بين الأَشياء، وأودعه قدْرةً على ربط المعاني وتوليدِ بعضها من بعض إلى مدًى بعيدٍ لا يكاد ينتهي.
وسرُّ بلاغة الاستعارة لا يتعدى هاتين الناحيتين، فبلاغتها من ناحية اللفظ. أنَّ تركيبها يدل على تناسى التشبيه، ويحمْلك عمدًا على تخيُّل صورة جديدة تُنْسيك رَوْعَتُها ما تضمَّنه الكلام من تشبيه خفي مستور.
انظر إِلى قول البحترىِ في الفتح بن خاقان:
يسْمو بِكف عَلَى العافين حانِيَةٍ تَهْمِي وَطرْفٍ إِلى العلياءِ طمَّاح [1]
ألست ترى كفه وقد تمثَّلتْ في صورة سحابة هتَّانة تصُبُّ وبلها على العافين السائلين، وأنَّ هذه الصورة قد تملكت عليك مشاعرك فأذْهلتْكَ عما اختبأَ في الكلام من تشبيه؟
وإذا سمعتَ قوله في رثاء المتوكل وقد قُتلَ غيلةً:
صريع تقاضاهُ الليَّالِي حُشاشةً يجود بها والموتُ حُمْرٌ أظافِره [2]
فهل تستطيع أن تُبعِد عن خيالك هذه الصورة المخيفة للموت، وهي صورة حيوان مفترس ضرِّجتْ أظافره بدماءِ قتلاه؟
لهذا كانت الاستعارة أبلغ من التشبيه البليغ؛ لأنه وإِن بني على ادعاءِ أن المشبه والمشبه به سواءٌ لا يزال فيه التشبيه منْوِيًّا ملحوظاً بخلاف الاستعارة فالتشبيه فيها مَنْسىٌّ مجحُودٌ؛ ومن ذلك يظهر لك أن الاستعارة المرشحةَ أبلغُ من المطْلَقَةِ، وأن المطلقة أبلغ من المجردة.
أما بلاغةُ الاستعارة من حيث الابتكارُ ورَوْعَة الخيال، وما تحدثه من أثر في نفوس سامعيها، فمجالٌ فسيحٌ للإبداع، ميدان لتسابق المجيدين من فُرسان الكلام.
انظر إلى قوله عزَّ شأْنه في وصف النار: {تكَادُ تميَّز من الغَيظِ كلَّما أُلقي فيها فَوْجٌ سألهم خَزنتُها ألْم يأْتِكم نَذِير [3] }؟ ترتسم أمامك النار في صورة مخلوقِ ضَخْمٍ بطَّاشٍ مكفهرِّ الوجه عابسٍ يغلى صدرُه حقدًا وغيظاً.
ثم انظر إلى قول أبى العتاهية في تهنئة المهدى بالخلافة:
أتَتْهُ الخِلاَفةُ مُنْقادة إِليْهِ تُجَرِّر أَذْيالها
تجد أن الخِلافة غادة هيفاءُ مُدَلَّلَة ملولٌ فُتن الناس بها جميعاً، وهي تأْبى عليهم وتصدُّ إِعراضاً، ولكنها تأْتي للمهدى طائعة في دلال وجمال تجرُّ أَذيالها تيهاً وخفرًا.
هذه صورة لا شك رائعة أَبْدع أَبو العتاهية تصويرها، وستبقى حُلوة في الأسماع حبيبةً إِلى النفوس ما بقى الزمان.
ثم اسمع قول البارودى:
إِذا اسْتلَّ مِنَّا سيِّدٌ غَرْبَ سَيْفِهِ تفزَّعتِِ الأَفلاكُ والْتفتَ الدَّهْر [4]
وخبرني عما تحسُّ وعما ينتابك من هول. مما تسمع. وقل لنا كيف خطرت في نفسك صورة الأَجرام السماوية العظيمة حيَّةً حساسة تَرتعِد فَزَعاً وَوَهَلا، وكيف تصورتَ الدهر وهو يلتفت دهشاً وذهولاً؟
ثم اسمع قوله في منفاه وهو نهْبُ اليأْس والأمل:
أَسمعُ في نفسِي دَبيبَ الْمُنى وأَلْمَحُ الشُّبْهَة في خاطِرِى
تجد أَنه رسم لك صورة للأمل يتمَشى في النفس تمشيًّا مُحَسًّا يسمعه بأْذنه. وأن الظنون والهواجس صار لها جسم يراه بعينه؛ هل رأَيت إِبداعاً فوق هذا في تصويره الشك والأمل يتجاذبان؟ وهل رأيت ما كان للاستعارة البارعة من الأَثر في هذا الإِبداع؟
ثم انظر قول الشريف الرضى في الودَاع:
نسرقُ الدَّمْعَ في الجُيوبِ حَيَاءً وبِنا ما بِنَا مِنَ الأَشْواق
هو يسرق الدمع حتى لا يُوصمَ بالضعف والخَور ساعةَ الوداع، وقد كان يستطيع أن يقول: "نَستُر الدمع في الجيوب حياءً"؛ ولكنه يريد أن يسمو إِلى نهاية المُرْتقى في سحر البيان، فإن الكلمة "نسْرِقُ" ترسُم في خيالك صورة لشدة خوفه أَن يظهر فيه أثرٌ للضعف، ولمهارته وسرعته في إِخفاء الدمع عن عيون الرقباء. ولولا ضِيق نطاق هذا الكتاب لعرضنا عليك كثيرًا من صور الاستعارة البديعة، ولكنا نعتقد أن ما قدمناه فيه كفاية وغِناء.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] العافين: سائلي المعروف، وحانية: عاطفة شفيقة، وتهمى: تسيل، والطرف: البصر، والطماح: الذي يغالي في طلب المعالى والسعى وراءها.
[2] الصريع: المطروح على الأرض، وتقاضاه أصله تتقاضاه حذفت إحدى التاءين؛ وهو من قولهم تقاضى الدائن منه إذا قبضه، والحشاشة: بقية الروح في المريض والجريح؛ يصفه بأنه ملقى على الأرض يلفظ النفس الأخير من حياته.
[3] تتميز غيظاً: تتقطع غضباً على الكفرة، وهو تمثيل لشدة اشتعالها بهم، والفوج: الجماعة، والاستفهام في قوله تعالى: {ألم يأتكم نذير}؟ للتوبيخ.
[4] غرب السيف: حده، وتفزعت: ذعرت أي أصابها الذعر وهو الخوف.




(6) المجازُ المرسل
الأَمثلة:
(1) قال المتنبي:
لَهُ أَيَادٍ عَلَىَّ سَابغَةٌ أُعَدُّ مِنْها وَلا أُعَدِّدُها [1]
(2) وقال تعالى: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءَ رِزْقاً}.
(3) كَمْ بَعَثنَا الْجَيْشَ جرَّا رًا وَأَرْسَلْنا الْعُيُونَا [2]
(4) وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام:
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابعَهُمْ فِي آذَانِهمْ}.
(5) وقال تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامىَ أمْوالَهُمْ}.
(6) وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام:
{إنّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلاَّ فاجرًا كَفَّارًا}.
(7) وقال تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة}.
(8) وقال تعالى: {إن الأبْرَارَ لَفي نَعِيم}.
البحث:
عرفت أن الاستعارة من المجاز اللغوي، وأنها كلمة استعملت في غير معناها لعلاقة المشابهة بين المعنيين الأصلي والمجازى، ونحن نطلب إليك هنا أن تتأَمل الأمثلة السابقة، وأَن تبحث فيما إِذا كانت مشتملة على مجاز.
انظر إلى الكلمة "أياد" في قول المتنبي؛ أَتظن أنه أَراد بها الأيدي الحقيقية؟ لا. إِنه يريد بها النّعم، فكلمة أَياد هنا مجاز، ولكن هل ترى بين الأَيدي والنعم مشابهة؟ لا. فما العلاقة إِذا بعد أَن عرفت فيما سبق من الدروس أَن لكل مجاز علاقة، وأَن العربي لا يُرسل كلمةً في غير معناها إِلا بعد وجود صلة وعلاقة بين المعنيين؟ تأَمل تجد أَنَّ اليد الحقيقية هي التي تمنح النعم فهي سبب فيها، فالعلاقة إِذًا السببية وهذا كثير شائع في لغة العرب.
ثم انظر إلى قوله تعالى: {ويُنَزِّلُ لَكُمْ مِن السماءِ رزْقاً}؛ الرزق لا ينزل من السماءِ ولكن الذي ينزل مطرٌ ينشأُ عنه النبات الذي منه طعامُنا ورزقُنا، فالرزق مسبب عن المطر، فهو مجاز علاقته المسببة، أَما كلمة "العيون" في البيت فالمراد بها الجواسيس، ومن الهيِّن أن تفهم أن استعمالها في ذلك مجازىٌّ، والعلاقة أن العين جزءٌ من الجاسوس ولها شأن كبير فيه فأُطلق الجزء وأريد الكل: ولذلك يقال إِن العلاقة هنا الجزئية.
وإِذا نظرت في قوله تعالى: {وإِنِّي كُلَّما دَعَوتُهُمْ لِتغفِرلهُمْ جَعَلُوا أصَابِعَهُمْ في آذَانهمْ} رأيت أن الإنسان لا يستطيع أن يضع إِصبعهُ كلها في أُذنه، وأن الأصابع في الآية الكريمة أُطلقت وأُريد أطرافها فهي مجاز علاقته الكلية.
ثم تأمل قوله تعالى: {وآتُوا الْيتَامى أمْوَالَهم} تجد أَن اليتيم في اللغة هو الصغير الذي مات أبوه، فهل تظن أن الله سبحانه يأمر بإعطاءِ اليتامى الصغار أموال آبائهم؟ هذا غير معقول، بل الواقع أن الله يأْمر بإعطاء الأموال من وصلوا سِن الرُّشد بعد أن كانوا يتامى، فكلمة اليتامى هنا مجاز لأنها استعملت في الراشدين والعلاقة اعتبار ما كان.
ثم انظر إلى قوله تعالى: {ولا يلِدُوا إِلاَّ فاجرا كفارا} تجد أن فاجرًا وكفارًا مجازان لأن المولود حين يولد لا يكون فاجرًا ولا كفارًا، ولكنه قد يكون كذلك بعد الطفولة فأُطْلِق المولود الفاجر وأريد به الرَّجلُ الفاجرُ والعلاقة اعتبار ما يكون.
أَما قوله تعالى: {فلْيَدْعُ نادِيه} والأَمر هنا للسخرية والاستخفاف، فإِننا نعرف أن معنَى النادي مكان الاجتماع، ولكن المقصود به في الآية الكريمة مَنْ في هذا المكان من عشيرتِهِ ونُصرائه، فهو مجاز أُطلق فيه المحل وأريد الحال، فالعلاقة المحلية
وعلى الضد من ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرار لَفِي نَعِيم} والنعيم لا يحُلُّ فيه الإنسان لأنه معنى من المعاني، وإنما يحل في مكانه، فاستعمال النعيم في مكانه مجاز أطلق فيه الحالّ وأريد المحل فعلاقته الحالية.
وإِذا ثبت كما رأيت أن كل مجاز مما سبق كانت له علاقة غير المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلى، فاعلم أن هذأ النوع من المجاز اللغوى يسمى المجاز المرسل [3] .
القواعد:
(22) المجازُ الْمُرسَل كلمة اسْتُعْمِلَتْ في غَيْر مَعناها الأَصْلي لعلاقة غير المشابهةِ مَعَ قرينةٍ مانعةٍ من إِرادةِ المعنَى الأصْليِّ [4] .
(23) مِن عَلاقات المجاز المُرْسَل:
السَّببيَّة – المسَبَّبيَّةُ – الجُزئيةُ – الكليَّةُ - اعْتبَارُ ما كان - اعتبارُ ما يكون – المَحَليِّـَّة - الحالِّيـَّةُ.
نَمُوذَج
(1) شَرِبْتُ ماءَ النِّيل.
(2) ألقَى الخطيب كلمة كان لها كبيرُ الأَثر.
(3) واسْأَل القَرْيَةَ التي كُنَّا فيها.
(4) يَلْبَسُ المصريون القطنَ الذي تُنتِجُهُ بلادُهـم.
(5) والأَعْوَجِيَّةُ مِلءَ الطرْقِ خَلْفَهُمُ وَالمْشرَفِيةُ مِلءَ الْيَوْم فَوْقَهُمُ [5]
(6) سأُوقد ناراً.
الإِجابة
(1) ماءَ النيل يرادُ بعضُ مائه فالمجاز مرسل علاقته الكلية.
(2) الكلمة يراد بها كلام " " " الجزئية.
(3) القرية يراد بها أهلها " " " المحلية.
(4) القطن يراد به نسيجٌ كان قطناً " " " اعتبار ما كان.
(5) ملءَ اليوم يراد به ملء الفضاء الذي يشرق عليه النهار فالمجاز مرسل " الحالِّية.
(6) نارًا يراد به حطب يئول إلى نار فالمجاز مرسل " اعتبار ما يكون.
تمرينات
(1) بين علاقة كل مجاز مرسل تحته خط مما يأْتي:
(1) قال ابن الزَّيات [6] في رثاءِ زوْجه:
أَلاَ منْ رأى الطِّفْلَ المُفارقَ أمَّه بَعِيدَ الكَرى عَيْنَاهُ تنسكِبَان
(2) ويُنسب إلى السموءَ ل:
تسِيلُ على حدّ السُّيوفِ نُفوسُنَا وَلَيْسَ على غَيْر السُّيُوف تَسيلُ
(3) أَلِمَّا على مَعْن وَقولاَ لِقبرد سَقتْك الغوادىَ مربعاً ثُمَّ مَرْبعا [7]
(4) لا أرْكبُ البَحرَ إِنِّي أخافُ منْهُ المَعَاطبْ [8]
طينٌ أنا وَهْوَ مَاء والطِّينُ في الْماءِ ذائبْ
(5) وما مِن يدٍ إلا يَدُ اللهِ فَوْقَها ولاَ ظَالم إِلاَّ سيُبْلى بأَظْلَمِ
(6) وقال المتنبي في دم كافور:
إنِّي نزلْتُ بكَذابينَ ضيْفُهُمُ عَن القِرَى وَعَن الترحَال مَحْدُودُ [9]
(7) وقال:
رأيْتُكَ مَحْضَ الحِلْم في مَحْض قُدْرَةٍ وَلو شِئت كان الحلْمُ منْكَ المُهنَّدا [10]
(2) بيِّن كل مجاز مرسل وعلاقته فيما يأتي:
(1) سَكَنَ ابن خَلدُون مِصْرَ.
(2) من الناس من يأْكل القمح ومنهم من يأْكل الذرةَ والشعير.
(3) إن أَمير المؤمنين نَثَرَ كنانته.
(4) رَعَيْنا الغَيْث.
(5) {في رحْمة الله هُمْ فيها خَالِدُون}.
(6) حَمَى فلان غَمامَةَ وَاديه (أَي عشْبه)
(7) قال تعالى في شأْن موسى عليه السلام:
{فَرجعْناك إِلى أُمِّكَ كَي تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَن}.
(8) وقال تعالى: {فَمنْ شَهدَ مِنْكُم الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه}. (أَي هلال الشهر).
(9) سأُجازيكَ بما قَدَّمَتْ يَدَاكَ.
(10) وقال تعالى: {وارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعينَ} (أَي صَلُّوا)
(11) وقال تعالى: {فَبشرناه بغُلام حَليمٍ}.
(12) وقال تعالى: {يقُولُونَ بأَفْواهِهمْ ما ليْس في قُلُوبهمْ}.
(13) أَذَلَّ فلانٌ ناسية فلان [11] .
(14) سقَت الدَّلْوُ الأَرضَ.
(15) سال الوادي.
(16) قال عنترة:
فَشكَكْتُ بالرُّمْحِ الأَصَمّ ثيابَهُ لَيْسَ الكريم على القنا بمُحَرَّم [12] .
(17) لا تجالسوا السفهاءَ على الحُمْقِ (أَي الخمر).
(18) وقال أَعرابي لآخر: هل لك بيت؟ (أَي زوج).
(3) بيِّن من المجازات الآتية ما علاقته المشابهة، وما علاقته غيرها:
(1) الإِسلام يحثُّ على تحرير الرِّقاب.
(2) ملِكٌ شاد لِلْكِنانَةِ مجْدًا أَحْكَمتْ وضْع أُسِّهِ آباؤُهْ
(3) تفرَّقَتْ كلمةُ القوم.
(4) غاض الوفاءُ وفاضَ الغَدر.
(5) {واجْعَلْ لي لِسَانَ صِدْقٍ في الآخرين}.
(6) أَحيا المطرُ الأَرض بعد مَوْتها.
(7) {كُتِبَ علَيْكم القِصاصُ في القَتلى}: (أَي فيمن سيقتلون).
(8) قرر مجلس الوزراء كذا.
(9) بَعثتَ إِلىَّ بحديقةٍ جلَّتْ معانيها، وأُحْكِمَتْ قوافيها.
(10) شربتُ البُنَّ.
(11) لا تكن أُذُناً تتقبَّل كل وِشاَية.
(12) سَرَقَ اللصُّ المنزل.
(13) قال تعالى: {إِنِّي أَراني أَعْصِر خَمْرًا}.
(4) استعمل كل كلمة من الكلمات الآتية مجازاً مرسلاً للعلاقة التي أَمامها:
(1) عَين – الجزئية. (4) المدينة – المحلية.
(2) الشام – الكلية. (5) الكَتان – اعتبار ما كان.
(3) المدرسة – المحلية. (6) رجال- اعتبار ما يكون.
(5) ضع كل كلمة من الكلمات الآتية في جملتين بحيث تكون مرةً مجازًا مُرسلاً، ومرة مجازاً بالاستعارة:
القلم – السيف – رأس – الصديق
(6) اشرح البيتين وبيِّن ما فيهما من مجاز:
لا يَغُرَّنْكَ ما تَرى مِنْ أُناس إِنَّ تَحْتَ الضلوعِ دَاءً دويَّا [13]
فَضَعِ السَّوْطَ وارْفَع السَّيف حتَّى لاَ تَرى فَوْقَ ظَهرها أَمويَّا
--------------------------------------------------------------------------------
[1] يقول: إن للممدوح علي نعماً شاملة، فوجودي يعد من نعمه، ولا أستطيع أن أحصر هذه النعم.
[2] الجيش الجرار: الثقيل السير لكثرته.
[3] المرسل: المطلق، وإنما سمي هذا المجاز مرسلا لأنه أطلق فلم يقيد بعلاقة خاصة.
[4] ومن المجاز المرسل نوع يقال له المجاز المرسل المركب، وهو كل تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة غير المشابهة، وذلك كالجمل الخبرية المستعملة في الإنشاء للتحسر وإظهار الحزن كما في قول ابن الرومي.
بان شبابي فعز مطلبه وانبتّ بيني وبينه نسبه
فهذا البيت مجاز مرسل مركب علاقته السببية والقرينة حالية، فإن ابن الرومي لا يريد الإخبار، ولكنه، يشير إلى ما استحوذ عليه من الهم والحزن بسبب فراق الشباب.
[5] الأعوجيه: الخيل المنسوبة إلى أَعوج وهو فرس كريم لبنى هلال، والمشرفية: السيوف، وملء في الشطرين منصوب على الحال، وخبر المبتدأ في الشطر الأول الظرف خلفهم، وفي الشطر الثاني الظرف فوقهم؛ يصف المتنبي إحاطة جيوش سيف الدولة بأَعدائه.
[6] هو أبو جعفر محمد بن عبد الملك، وإنما اشتهر بابن الزيات لأن جده كان يجلب الزيت من مواضعه إلى بغداد، كان أديباً شاعراً بليغاً، وقد توزر للمعتصم ولابنه الواثق من بعده وتوفى سنة 223 هـ.
[7] ألما: انزلا به، الغوادي: جمع غادية، وهي السحابة تنشأ غدوة أو مطرة الغداة. والأحسن في مربع هنا أن تكون اسماً مأخوذًا من أربعة؛ والمعنى سقتك الغوادي أربعة أيام متوالية ثم أربعة أخرى متوالية يدعو بكثرة السقيا للقبر.
[8] المعاطب: المهالك.
[9] محدود: أي ممنوع، يعنى أن الذين نزل بساحتهم كذابون في وعودهم، ضيفهم ممنوع عن الطعام لبخلهم، وهم يمنعونه الرحيل حتى يظن الناس فيهم الكرم.
[10] المحض: الخالص، والمهند: السيف الهندي، والمراد به هنا الحرب؛ يقول رأيتك خالص الحلم في قدرة خالصة لا يشوبها عجز، ولو شئت أن تجعل الحرب مكان الحلم لفعلت.
[11] الناصية: الرأس.
[12] الرمح الأصم: الصلب المصمت. والمراد بالثياب هنا القلب، يصف نفسه بالإقدام ويقول: إن الكريم ليس بمحرم ولا بعزيز على الرماح.
[13] الداء الدوي: الشديد.



علم البديع
عرفتَ فما سبق أن علم البيان وسيلة إلى تأْدية المعنى بأساليبَ عدة بين تشبيه ومجاز وكناية، وعرفت أن دراسة علم المعاني تُعِينُ على تأْدية الكلام مطابقاً لمقتضى الحال، مع وفائه بغرض بلاغيٍّ يفْهمُ ضمناً من سياقه وما يُحيط به من قرائن.
وهناك ناحية أخرى من نواحي البلاغة، لا تتناول مباحث علم البيان، ولا تنظر في مسائل علم المعاني، ولكنها دراسة لا تتعدى تزيين الألفاظ أو المعاني بألوان بديعة من الجمال اللفظي أو المعنوىّ، ويسمى العلمُ الجامع لهذه المباحث بعلم البديع. وهو يشتمل كما أشرنا على محسناتٍ لفظية، وعلى محسنات معنوية، وإِنا ذاكرون لك من كل قسم طرفاً.




المحسِّناتُ اللفظيَّة (1) الجنَاس
الأمثلة:
(1) قال تعالى: {ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}.
(2) وقال الشاعر في رثاء صغير اسمه يَحْيَى:
وَسَمَّيْتُهُ يَحْيَى لِيَحْيَا فَلَمْ يَكُن إِلى رَدِّ أمْرِ اللهِ فِيهِ سَبيلُ
* * *
(3) وقال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتيمَ فَلاَ تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ}.
(4) وقال ابن الفارض [1] :
هَلاَّ نَهَاكَ نُهَاكَ عَنْ لَوْمِ امْرئٍ لَمْ يُلْفَ غَيْرَ مُنَعَّمٍ بِشَقَاءِ [2]
(5) وقالت الخنساءُ من قصيدة تَرثى فيها أخاها صخرًا:
إِنَّ الْبُكاءَ هُوَ الشِّفَا ءُ مِن الجَوَى بَيْنَ الْجَوَانِح [3]
(6) وقال تعالى حكايةً عن هَرون يخاطب موسى:
{خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إسْرائِيلَ}.
البحث:
تأَمل الأمثلة السابقة تجد في كل مثال كلمتين تجانس إحداهما الأخرى وتشاكلها في اللفظ مع اختلاف في المعنى؛ وإيرادُ الكلام على هذا الوجه يسمى جناساً.
ففي المثال الأول من الطائفة الأولى تجد أَن لفظ "الساعة" مكررٌ مرتين، وأن معناه مرةً يومُ القيامة،. ومرة إحدى الساعات الزمانية، وفي المثال الثاني ترى "يَحْيى" مكررا مع اختلاف المعنى. واختلاف كل كلمتين في المعنى على هذا النحو مع اتفاقهما في نوع الحروف وشكلها وعددها وترتيبها يُسمى جناساً تامًّا.
وإذا تأمَّلتَ كلَّ كلمتين متجانستين في الطائفة الثانية رأيت أنهما اختلفتا في ركن من أَركان الوفاق الأَربعة المتقدمة، مثل تقْهرْ وتَنْهَرْ، ونَهاكَ ونُهَاكَ. والجَوى والْجوانحِ، وبيْن وبَنى، على ترتيب الأَمثلة، ويُسمى ما بين كل كلمتين. هنا من تجانس جناساً غير تام.
والجناس في مذهب كثير من أهل الأدب غير محبوب؛ لأَنه يؤدى إلى التعقيد، ويَحول بين البليغ وانطلاق عِنانه في مضمار المعاني اللهم إِلا ما جاءَ منه عفوًا وسَمحَ به الطبع من غير تكلف.
القاعدة:
(68) الجِنَاسُ أَن يَتَشَابَهَ اللفظانِ في النُّطْق وَيَخْتَلِفَا في الْمَعْنى. وهو نَوْعان:
(أ) تَامٌّ : وهو ما اتَّفَقَ فيه اللفظان في أمورٍ أَربعةٍ هيَ: نَوْعُ الحُروفِ، وشَكلُهَا، وعَدَدُها، وتَرْتيبُها.
(ب) غَيْرُ تَامِّ: وهو ما اخْتَلَف، فيه اللفظان في واحدٍ مِنَ الأمور الْمُتَقَدِّمة.
تمرينات
(1) في كل مثال من الأمثلة الآتية جناس تام، فبيًن موضعه:
(1) قال أبو تمام:
ما مات مِنْ كرمِ الزمان فإِنَّه يحْيا لَدى يحْيى بْنِ عبد الله
21) قال أبو العلاءِ المعرى:
لَمْ نَلْقَ غَيْرَكَ إِنْساناً يُلاذُ بهِ فَلا برحْتَ لِعيْنِ الدهْر إِنْسانا [4]
(3) قال البُسْتِىّ:
فَهمْتُ ولاَ عجبٌ أنْ أهِيما فَهمْتُ كتَابك يا سيِّدِي
(4) وقال يمدح:
بسيفِ الدَّوْلة اتَّسقَتْ أمُورٌ رأَيْنَاها مُبدَّدَةَ النَّظَام [5]
فَليس كَمِثْلِهِ سامٍ وحامِ سما وحمَى بنِى سامٍ وحامٍ
(5) وقال أبو نُواس:
عبَّاسُ عبَّاسٌ إِذَا احتَدَم الوغَى والفَضْلُ فَضْلٌ والربيعُ ربيعُ [6]
(2)
في كل مثال من الأمثلة آتية جناس غير تام، فوضحه وبيِّن لم كان غير تام؟
(1) قال تعالى: {وإِذا جاءَهُمْ أمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أو الخَوْفِ أذاعُوا بِه [7] }.
(2) وقال تعالى: {وهُم ينهوْنَ عنْهُ وينْأونَ عنْهُ}.
(3) وقال ابن جُبير الأندلسي [8] :
فَيا راكِبَ الوجْنَاءِ هل أنْت عالِمٌ فِداؤُكَ نَفْسِي كيْفَ تلكَ المَعالِمُ [9]
(4) وقال الحريري [10] يصِفُ هُيام الجاهل بالدنيا:
ما يستَفِيقُ غراماً بهَا وفَرْط صَبَابَهْ [11]
ولَوْ دري لكَفاهُ مِمَّا يَرُوم صُبابَه [12]
(5) وقال عبد الله بن رواحةَ [13] يمدح النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلم، وقيل إنه أمدح بيت قالته العرب:
تحْمِلهُ النَّاقةُ الأدْماءُ مُعْتَجِرًا بالبُردِ كالبدْرِ جلَّى نُورُهُ الظُّلَمَا [14]
(3) بيِّن مواضع الجناس فيما يأْتي وبين نوعه في كل مثال:
(1) قال البحترى فى مطلع قصيدة:
هلْ لِما فات مِن تَلاَقٍ تلاَفى أمْ لِشاكٍ مِن الصَّبابةِ شافي
(2) وقال النابغة في الرثاء:
فَيالَك مِنْ حزْمٍ وعزْمٍ طَواهُما جدِيدُ الرَّدَى بيْن الصَّفا والصَّفائح [15]
(3) وقال البحترى:
نَسِيمُ الروضِ في ريحٍ شمالِ وصوْبُ المُزْنِ في راحٍ شمول [16]
(4) وقال الحريرى:
لا أُعْطي زمامي من يُخْفرُ ذِمامي [17] ولا أَغْرِسُ الأَيادِى في أَرض الأداري.
(5) وقال: لهم في السيْر جرْىُ السَّيْل، وإِلى الخَيْر جَرْى الخيل.
(6) قال البحترى:
فَقِفْ مُسْعِدًا فِيهنَّ إِنْ كُنْتَ عاذِراً وسِرْ مُبْعِدا عنْهُنَّ إِن كنتَ عاذِلا
(7) وقال أبو تمام:
بيضُ الصفَائح لا سُودُ الصَّحائِفِ في مُتُونِهن جلاءُ الشَّكِّ والريبِ [18]
(8) وقال تعالى:
{ذلِكُمْ بما كُنْتُم تفْرحُون في الأرض بغَيْر الحق وبما كنْتُم تمْرحون [19] }.
(9) وقال عليه الصلاة والسلام:
"الخيلُ معقودٌ بنواصيها الخيْر" [20] .
(10) وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وكنَّا متى يغْزُو النبىُّ قبيلة نَصِلْ جانِبيْهِ بالقَنا والقَنَابِل [21]
(11) وقال أبو تمام:
يمدُّونَ مِنْ أيْدٍ عواصٍ عواصمِ تصُول بأسيافٍ قواضٍ قَواضِبِ [22]
(12) لا تُنالُ الغُرَرُ إِلا بركوب الغرَر [23] .
(4) هات مثالين من إنشائك للجناس التام، ومثالين آخرين لغير التام، وراع ألاَّ يظهر في كلامك أَثر للتكلف.
(5) اشرح قول أبي تمام وبين نوع الجناس الذي فيه:
ولمْ أر كالْمعْرُوف تُدْعَى حُقُوقُهُ مغارمَ في الأَقوام وهْيَ مغانم [24]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] هو أبو حفص عمر بن على بن مرشد، أشعر المتصوفين، أصله من حماة، ومولده. في القاهرة، وله ديوان شعر، وتوفي بمصر سنة 632 هـ وقبره معروف يزار.
[2] النهى: جمع نهية وهي العقل، ويلفى: يوجد.
[3] الجوى: الحرقة وشدة الوجد، الجوانح: الأضلاع التي تحت الترائب وهى مما يلي الصدر كالضلوع مما يلي الظهر، والواحدة جانحة.
[4] يلاذ به: يلجأ إليه، وإنسان العين: المثال الذي يرى في السواد.
[5] اتسقت: انتظمت.
[6] عباس في أول البيت هو عباس بن الفضل أنصاري، قاض من رجال الحديث، ولي قضاء الموصل في عهد الرشيد وتوفى بها سنة 186 هـ، وكلمة عباس الثانية صيغة مبالغة من عبس وجهه إذا كلح وتجهم. والفضل الأول هو الفضل بن الربيع بن يونس وزير الرشيد ثم وزير الأمين، والفضل الثاني الشرف والرفعة. والربيع الأول هو الربيع بن يونس وزير المنصور العباسي، والربيع الثاني الخصب والنماء.
[7] يقول: إذا جاء ضعفاء الإيمان نبأ نصر أو هزيمة أفشوه ونشروه.
[8] رحالة عني بالأدب وبلغ الغاية فيه، وتقدم في صناعة القريض والكتابة، وأولع بالأسفار, ومات بالإسكندرية سنة 614 هـ.
[9] الوجناء: الناقة الشديدة.
[10] هو أبو عبد الله محمد القاسم صاحب المقامات الحريرية، كان أحد أئمة عصره ورزق الحظوة التامة في عمل المقامات. ومن عرفها حق المعرفة استدل بها على فضل الرجل وغزارة مادته وكثرة اطلاعه. وله غيرها تآليف حسان، توفى بالبصرة سنة 510 هـ.
[11] الصبابة بالفتح: حرارة الشوق.
[12] الصبابة بالضم: بقية الماء في الإناء.
[13] صحابي جليل وشاعر من الشعراء الراجزين، شهد غزوات كثيرة، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في إحدى غزواته، ومات سنة 8 هـ.
[14] الناقة الأدماء: الشديدة البياض، والمعتجر: الملتف، وجلي: كشف.
[15] الصفا: الحجارة، الواحدة صفاة، والصفائح: حجارة رقاق تبلط بها الدور وتسقف بها القبور.
[16] الصوب: نزول المطر،والمزن: جمع مزنة وهي السحابة البيضاء، والراح: الخمر، والشمول: الخمر تنفحها ريح الشمال، يصف البحترى بذلك أخلاق ممدوحه.
[17] يخفر ذمامي: ينقض عهدى.
[18] بيض الصفائح: كناية عن السيوف، وسود الصحائف: الكتب، ومتن السيف: حده.
[19] المرح: شدة الفرح.
[20] النواصي: جمع ناصية وهي مقدم الرأس.
[21] القنا: جمع قناة وهي الرمح.
[22] عواص: جمع عاصية عن عصاه ضربه بالسيف أو العصا، وعواصم: عن عصمه إذا حفظه وحماه، وقواض من قضى عليه إذا حكم، وقواضب: من قضبه إذا قطعه.
[23] الغرر: بالضم غرة، وغرة كل شيء أوله، والغرر بفتحتين: الخطر.
[24] المغارم: جمع مغرم وهو ما يلزم أداؤه، والمغانم: جمع مغنم وهو الغنيمة.




(2) الاِقْتِباس
الأمثلة:
(1) قال عبد المؤمن الأصفَهانىّ [1] :
لا تَغُرَّنَّكَ مِنَ الظَّلَمَةِ كثرُة الجيوش والأَنصار {إِنما نُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ [2] فِيهِ الأبصَارُ}.
(2) وقال ابن سناء المُلك [3] :
رَحَلُوا فَلَستُ مُسَائِلاً عَنْ دَارهِمْ أنَا "بَاخِعٌ نَفْسِي عَلَى آثَارَهِمْ [4] "
(3) وقال أبو جعفر الأندلسيُّ [5] :
لا تُعَادِ الناسَ في أوْطانِهمْ قَلَّمَا يُرْعَى غريب الوطن [6]
وَإِذَا مَا شِئْتَ عَيْشاً بَيْنَهُمْ "خَالِق الناسَ بخلْقِ حَسَن "
البحث:
العبارتان اللتان بين الأقواس في المثالين الأَولين مأْخوذتان من القرآن الكريم، والعبارة التي بين قوسين في المثال الثالث من الحديث الشريف، وقد ضمَّن الكاتب أو الشاعر كلامه هذه الآثار الشريفة من غير أن يُصرَّح بأنها من القرآن أو الحديث وغرضه من هذا التضمين أن يسْتعِيرَ من قوتها قوة، وأن يكشف عن مهارته في إِحكام الصلة بين كلامه والكلام الذي أخذه، وهذا النوع يسمى اقتباساً، وإِذا تأملتَ رأَيتَ أن المُقْتَبس قد يُغَيِّر قليلاً في الآثار التي يقْتَبِسُها كالمثال الثاني إِذ الآية:{فَلعلَّكَ باخِعٌ نَفْسكَ على آثارهِمْ}.
القاعدة :
(69) الاقْتِباسُ تَضْمِينُ النَّثْر أو الشِّعر شَيْئاً مِنَ الْقُرآن الكريم أو الحديثِ الشريفِ مِنْ غَيْر دلالةٍ عَلَى أنَّهُ منهما، ويَجُوز أنْ يُغَيِّرَ في الأَثَر المُقْتَبِس قَليلا.
تمرينات
(1) بيِّن في كل اقتباس مما يأتي حُسْن تأتَّي البليغ في إِحكام الصلة بين كلامه والكلام المُقتَبس:
(1) اغتنم فودك [7] الفاحم [8] قبل أن يبْيضَّ، فإنما الدُّنيا "جدارٌ يريد أن ينقض [9] ".
(2) وكتب القاضي الفاضل [10] في الرد على رسالة:
وردَ على الخادِم الكتابُ الكريمُ فشكره "وقَرَبه نَجيًّا [11] "ورفعه "مكاناً عليًّا"، وأَعاد عليه عصر الشباب "وقدْ بلَغَ مِن الكِبر عِتِيًّا [12] ".
قال في حمام الزَّاجل:
وقد كادت أن تكونَ من الملائكةِ فإذا نيطَتْ بها الرِّقاع [13] صارت "أولِى أجْنِحةِ مثْنَى وثُلاَثَ ورباع".
(4) ومن كتاب لمُحْيى الدين عبد الظاهر [14] :
لا عدِمتِ الدولة بيضَ سيوفهِ التي "يَرى بها الَّذِين كَذبُوا على الله وجُوههُم مُسْودَّة".
(5) وقال الصاحب [15] :
أَقُولُ وَقدْ رأَيْتُ لَهُ سَحابًا مِن الهجْران مُقْبِلَةً عليْناَ
وقَد سحَّتْ غَوادِيها بهَطلٍ "حواليْنَا" الصَّدُودُ "ولا علينا" [16]
(6) رُب بخيل لَوْ رأى سائلاً لَظَنَّهُ رُعْباً رسُولَ المنُون
لاَ تطْمعوا في النَّزْرِ من نَيْله "هيْهات هيْهَاتَ لما تُوعدون"
(2) اقتبس الآيات الكريمة الآتية مع إجادة الاقتباس وإِحكامه:
(1) {إِنَّ أَكْرمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُم}.
(2) {ولا يحيقُ المكْرُ السيَّئُ إِلا بأَهلِه}.
(3) {قُلْ هلْ يسْتَوي الذين يعْلَمُونَ والذِين لا يعْلَمُون}.
(4) {ولا يُنَبِّئُك مِثْلُ خبير}.
(5) {إَنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوةٌ}.
(3) صُغ عباراتٍ تَقْتَبِس في كلٍّ منها حديثاً من الأَحاديث الشريفة الآتية مع العناية بحسن وضعها:
(1) "كلُّ معروفٍ صدقَةٌ".
(2) "إذا لم تَسْتَحْىِ فاصنعْ ما شِئْتَ".
(3) "الظلمُ ظلماتٌ يومَ القيامة".
(4) "الأَرواح جُنُودٌ مجنَّدة".
(4) بيِّن في كل اقتباس مما يأتي حُسْن تأتَّي البليغ في إِحكام الصلة بين كلامه والكلام المُقتَبس:
لَئن أخْطأْتُ في مدْحِيـ ـكَ ما أخْطَأْتَ في منْعى
لَقَدْ أَنزلتُ حاجاتي "بوادٍ غَيْر ذِى زَرْعٍ"
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أَديب مشهور متصوف وله كتاب يدعى أطباق الذهب رتبه على مائة مقالة عارض بها الزمخشرى.
[2] يقال شخص بصره إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف.
[3] هو القاضى السعيد هبة الله، كان من الرؤساء النبلاء، وكان واسطة العقد في مجالس الشعراء بمصر وهو أول من استكثر من الموشحات وأجاد فيها من المشارقة، وله ديوان شعر، وتوفى بالقاهرة سنة 608 هـ.
[4] بخع نفسه: قتلها غماً.
[5] أديب قوي الإدراك، أجاد في فني النظم والنثر، وجرت له مع لسان الدين بن الخطيب مباحثات ومراسلات، وله ديوان شعر، وتوفى نحو سنة 772 هـ.
[6] يرعى غريب الوطن: أى يلحظ بالإحسان.
[7] الفود: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن.
[8] الفاحم: الأسود.
[9] ينقض: يسقط.
[10] كاتب من أئمة الكتاب، كان من وزراء السلطان صلاح الدين ومن مقربيه، وقد اشتهر بسرعة الخاطر في الإنشاء، وله طريقة في الكتابة عمادها السجع والتورية تعرف بالطريقة الفاضلية، حاكاه فيها من جاء بعده من الأدباء، ولد بعسقلان، وتوفى بالقاهرة 596 هـ.
[11] النجى: الذي تساره، ومعنى قربه نجياً: جعله مناجياً.
[12] عتياً: مصدر عتا الشيخ إذا كبر وولي.
[13] نيطت بها الرقاع: علقت في أعناقها الرسائل.
[14] كان من أعظم الكتاب المقدمين في دولة المماليك، ويمتاز ببراعته في كتابه الدواوين في ذلك العصر، ولد سنة 620 هـ وتوفى سنة 692هـ.
[15] وزير غلب عليه الأدب، فكان من نوادر الدهر علماً وفضلا وتدبيراً، استوزره مؤيد الدولة بن بويه الديلمي، وشعره عذب رقيق، وتوقيعاته آية الإبداع في الإنشاء، وتوفى سنة 385 هـ.
[16] سح المطر: سال، والغوادي: السحب تنشأ صباحاً جمع غادية، والهطل: تتابع المطر وسيلانه، يقول: جاءت سحبه بمطر متتابع.





(3) السَّجْع
الأَمثلة:
(1) قال صلى الله عليه وسلم:
"اللهمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وأعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً".
(2) وقال أعرابي ذَهَبَ بابنه السَّيْل:
اللهُمَّ إنْ كنْتَ قَدْ أبْلَيْتَ، فَإنَّكَ طَالَمَا قَدْ عَافَيْتَ.
* * *
(3) الحُرُّ إذَا وَعَدَ وَفَى، وإِذَا أعَانَ كَفَى، وإِذَا مَلَكَ عَفَا.
البحث:
إذا تأملت المثالين الأولين وجدت كلاًّ منهما مركباً من فِقْرتَين متحدتين في الحرف الأَخير، وإذا تأَملت المثال الثالث وجدته مركباً من أكثر من فقرتين متماثلتين في الحرف الأَخير أيضاً، ويسمى هذا النوع من الكلام سجعا [1] . وتسمى الكلمة الأخيرة من كل فقرة فاصلة، وتُسكَّن الفاصلةُ دائماً في النثر للوقف.
وأَفضل السجع ما تساوت فِقَرُه، ولا يحسنُ السجعُ إلا إِذا كان رصين التركيب، سليماً من التكلف، خالياً من التكرار في غير فائدة. كما رأَيت في الأمثلة.
القاعدة:
(70) السَّجْعُ تَوَافُقُ الْفَاصِلَتَيْن في الْحَرْفِ الأخِير [2] ، وأَفْضَلهُ ما تسَاوَتْ فِقَرُهُ.
تمرينات
(1) بيِّن السجع في الأَمثلة الآتية، ووضِّح وجوه حسنه:
(1) قال صلى الله عليه وسلم:
"رحِم اللهُ عبْدًا قال خَيْرًا فغنم، أوْ سكتَ فسلِم".
(2) قال الثعالبىّ [3] :
الحِقْدُ صدأُ القلوب، واللَّجاجُ سببُ الحروب [4] .
(3) وقال الحريري:
ارتفاع الأخطار، باقتحام الأَخطار [5] .
(4) وقال بعض البلغاء:
الإِنسانُ بآدابه، لا بزيَّه وثيابه.
(5) وقال أعرابي لرجل سأَل لئيماً:
نَزَلْتَ بوادٍ غَيْر ممْطورٍ، وفناءِ غَيْر معمور، ورجُلٍ غير ميْسور، فأَقمْ بنَدم، أَو ارتحل بعدم.
(6) وقال أَعربي:
باكَرَنَا وسْميُّ [6] ، ثم خَلَفه ولِيُّ [7] ، فالأَرضُ كأَنها [8] وشيٌ منْشور، عليه لؤلؤ منثور، ثم أَتتنا غيوم جراد، بمناجل [9] حصاد، فَجَردت [10] البلاد، وأَهلكت العباد، فسبحان من يُهلك القويَّ الأَكول بالضعيف المأْكول.
(2)
(1) اِقرأ الرسالة الآتية، وبيِّن جمال السجع فيها، ثم حُلّها وابْنها بناءً آخر لا سجع فيه. كتب ابن الرومي إلى مريض:
أذنَ الله في شفائِك، وتلقَّى داءَك بدوائك، ومسح بيدِ العافية عليك، ووجَّه وفد السلامِة إليك، وجعل عِلَّتَك ماحيةً لذنوبك، مضاعفة لمثوبتك.
(2) تفهم ما يأْتي وهو مما يُنسب إلى على بن أبى طالب كرم الله وجهه، ثم حُله وابْنِه بناءً آخر مسجوعاً:
اتق الله في كلِّ صباح مساء، وخَفْ على نفسك الدنيا الغَرُور، ولا تأْمنها على حال. واعلم أنك أن لم تَرْدع نفسك عن كثير مما تحبُّ مخافة مكروهه، سمتْ بكَ الأهواءُ إلى كثيرِ من الضرر.
(3) بيِّن أمِن المسجوع أم مِن المُرسل ما يأْتي ووضِّح السبب:
كتب هشام [11] لأخيه وكان أظهر رغبته في الخلافة:
أما بعد، فقد بلغني اسْتثْقَالُك حياتي، واستبطاؤك مماتي، ولعَمري إنك بعدى لواهى الْجَنَاح، أجذَمُ الكفِّ، وما استوجبتُ منك، ما بلغني عنك.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] تشبيهاله بسجع الحمامة إذا هدرت.
[2] السجع موطنه النثر، وقد يجئ في الشعر كقول أبي الطيب:
فنحن في جذل والروم في وجل والبر في شغل والبحر في خجل
[3] هو أبو منصور النيسابوى والثعالبي نسبة إلىخياطة جلود الثعالب وعملها،وكان واحد عصره في العلم والأدب، وله تآليف كثيرة منعا فقه اللغة ويتيمة الدهر، وشعره جيد، وتوفى سنة 429 هـ.
[4] اللجاج: التمادى في الخصومة.
[5] خطر الرجل قدره ومنزلته، والخطر أيضاً: الإشراف على الهلاك، يقول: ارتفاع قدر الإنسان إنما يكون باقتحام المخاوف والمهالك.
[6] الوسمي: مطر الربيع الأول لأنه يسم الأرض بالنبات.
[7] الولى: المطر الثاني.
[8] الوشي: نوع من الثبات ذو ألوان.
[9] المناجل: جمع منجل وهو ما يحصد به.
[10] جردت البلاد: جعلتها قاحلة جرداء.
[11] أحد ملوك الدولة الأموية في الشام، اجتمع في خزائنه من المال ما لم يجتمع في خزانة أحد من ملوك بني أمية، وتوفى سنة 125 هـ.





المحسنات المعنوية
(1) التورية
الأمثلة
(1) قال سِرَاجُ الدين الوَرَّاق [1] :
أصُونُ أديمَ وجهي عَن أُنَاس لقاءُ الموتِ عِنْدهُم الأديبُ
وَرَبُّ الشعر عندهُمُ بَغِيضٌ وَلَوْ وَافَى بهِ لَهُمُ "حبَيبُ"
(2) وقال نَصِيرُ الدين الحَمَّامي [2] :
أبْيَاتُ شِعْرك كالقُصـ ـور ولا قُصُورَ بهَا يَعوقْ [3]
ومنَ العجَائبِ لَفْظُها حُرٌّ ومعناها "رَقيقْ "
(3) وقال الشَّابُّ الظريف [4] :
تَبَسَّم ثَغْرُ اللَّوْز عَن طيبِ نَشْرهِ وأَقْبَلَ في حُسْنٍ يَجِلُّ عَن الوصْف
هَلُمُّوا إِليه بَينَ قَصْفٍ ولَذَّةٍ فإِنَّ غصونَ الزَّهْر تَصْلُحُ "للقَصْفِ"
البحث:
كلمة "حَبيب" في المثال الأول لها معنيان: أحدهما المحبوب وهو المعنى القريب الذي يتبادر إلى الذهنْ بسبب التمهيد له بكلمة "بغيض"، والثاني اسم أبى تمام الشاعر وهو حبيبُ بنُ أَوْس، وهذا المعنى بعيد. وقد أَراده الشاعر ولكنه تَلطف فَورَّى عنه وستره بالمعنى القريب. وكلمة "رقيق" في المثال الثاني لها معنيان: الأول قريب متبادر وهو العبد المملوك وسببُ تبادُره إلى الذهن ما سبقه من كلمة "حُرّ"، والثاني بعيد وهو اللطيف السهل. وهذا هو الذي يريده الشاعر بعد أَن ستَره في ظل المعنى القريب. وكلمة "القَصْفِ" في المثال الثالث معناها القريب الكسْر، بدليل تمهيده لهذا المعنى بقوله: "فإن غصون الزهر" ومعناها البعيد اللعب واللهو، وهذا هو المعنى الذي قصد إليه الشاعر بعد أَن احتال في إخفائه ويسمى هذا النوع من البديع تورية، وهو فنٌّ بَرَعَ فيه شعراء مصر والشام في القرن السابع والثامن من الهجرة، وأَتوْا فيه بالعجيب الرائع الذي يدل على صفاءَ الطبع والقدرة على اللعب بأَساليب الكلام.
القاعدة:
(71) التَّوْريَةُ أَنْ يَذْكُرَ المتكلِّمُ لَفْظاً مُفْردًا له مَعْنَيانِ، قَريبٌ ظاهِر غَيْرُ مُرَادٍ ، وَبَعيدٌ خَفيٌّ هُوَ المُرادُ.
تمرينات
(1) اشرح التورية في كلِّ مثال من الأَمثلة شرحاً وافياً:
(1) قَال سراجُ الدين الورَّاق:
كمْ قَطع الْجُنُودُ من لِسانٍ قلَّدَ مِنْ نظْمِهِ النحُورا
فَها أَنَا شَاعرٌ سِراجٌ فاقْطَعْ لِساني أَزِدْكَ نُورا [5]
(2) وقال:
يا خَجْلَتى وصحائِفى سودٌ غَدتْ وصحائِفُ الأبرار في إشراق
ومُونِّب لِى في القيامةِ قال لي أكَذَا تكون صحائفُ "الورَّاق؟" [6]
(3) وقال أبو الحسين الجزار:
كيْفَ لا أشكرُ الجِزارَة ما عِشْـ ـتُ حِفاظاً وأهْجُرُ الآدابا؟
وبها صارت الْكلابُ تُرجِّيـ ـنى وبالشِّعْر كُنتُ أَرجُو الكلابا [7]
(4) وقال بدْرُ الدين الذهبىُّ:
رِفْقاً بخِّال ناصح أَبلَيْتَهُ صَدًّا وهَجْرا
وافاك سائلُ دمْعِهِ فَرددْتَهُ في الحال نَهْرا [8]
(5) وقال:
يا عاذلى فيه قلْ لي إِذا بَدَا كَيْف أَسْلُو؟
يمُرُّ بي كل وقْتٍ وكلَّما مرَّ يحلُو
(6) قال:
ورياضٍ وقفَتْ أشْجارُها وتمشَّتْ نسْمةُ الصُّبحِ إِليها
طَالعتْ أوْراقَها شَمْسُ الضُّحا بعْد أَنْ وقَّعتِ الوُرْقُ عليها [9]
(7) قال الشاب الظريف:
قامتْ حُرُوب الدهْر ما بين الرِّياض السُّنْدُسِيَّهْ
وأتَت بأجمعِها لِتَغْـ زُوَ روْضَةَ الورْدِ الجنِيَّهْ
لكنها انكسرت لأَنَّ الورْد شوكتهُ قويَّهْ
(8) وقال نصِيرُ الدِّين الحمَّامىِ:
جُودُوا لنَسْجَع بالمديـ ـحِ على عُلاكُمْ سَرْمدَا
فالطيرُ أَحسن ما تغـ ـرِّدُ عِنْد ما يقَعُ الندَى [10]
(9) وقال سراج الدين الورَّاق:
وقفْتُ بأَطلال الأَحِبَّةِ سائلا ودمْعيَ يَسْقي ثَمَّ عهدا ومعْهَدَا
ومِنْ عجب أَنِّي أُروِّى دِيارهُمْ وحظِّى مِنها حين أَسْأَلها الصَّدَى [11]
(10) وقال ابن الظاهر:
شُكْرًا لِنَسمةِ أَرْضِكم كم بَلَّغَتْ عنِّى تَحِيهْ
لا غرْوَ إِن حفِظَت أَحا ديثَ الهوى فهي الذَّكِيَّهْ [12]
(11) وقال ابن نُباتُه المصرى [13] :
والنَّهْرُ يُشْبهُ مِبْردًا فِلأَجْل ذَا يجْلُو الصَّدَى [14]
(2) لكل من الأَلفاظ الآتية أَكثر من معنى، فاستعمل كل لفظ في مثال للتورية:
الجَد [15] حكى . الراحة . القُصُور. عفَا [17] . الجُفُون [18] .
(3) في أَي شيء تُوافق التورية الْجنَاسَ التام، وفي أَي شيءٍ تخالفه؟ مثل بمثال للتورية، ثم حوله إلى الجناس التام.
(4) هل تستطيع أن تضح كلمة التورية في العبارات الآتية
(1) اشتدَّ حزنُ الرياض على الربيع وَجَمَدت ...
(2) الحمَام أَبلغ من الكتاب إذا ...
(3) قلبي جارُهم يوم رَحلوا ودمعي ...
(5) اشَرح قول ابن دَانْيال طبيب العيون [19] وبيِّن ما فيه من حلاوة التورية:
يا سائلِي عنْ حِرْفتي في الورَى وا ضَيْعتي فيهم وإِفلاسي!
ما حالُ منْ دِرْهَمُ إنْفاقِهِ يأْخذه من أَعْينِ الناس؟
___________________________________________________________________________________________________________________
[1] شاعر مصري رقيق، برع في التورية وغيرها من أنواع البديع، وله شعر كثير جيد، ولد سنة 615 هـ ومات سنة 695 هـ.
[2] كان يحترف باكتراء الحمامات بمصر، فلما كبرت سنه اقتصر على الاستجداء بالشعر، وشعره يدل على نبوغ وعبقرية، مات سنة 712هـ.
[3] يعوق: أي يمنع من إدراك جمالها.
[4] هو شمس الدين بن العفيف التلمساني، كان نابغة عصره، وقد فتن بشعره لرقته وجماله الفني، ولد سنة 662هـ ومات سنة 687 هـ فكانت حياته خمساً وعشرين سنة.
[5] قطع لسان الشاعر: أسكته بعطاياه عن هجائه، ولسان السراج: فتيله.
[6] من معاني الوراق بائع الورق أو الكتب.
[7] قد يراد بالكلاب مجازاً لئام الناس
[8] من معاني النهر أن يكون مصدر نهر ينهر بمعنى زجر.
[9] الورق: جمع ورقاء وهي الحمامة، ووقعت قد يكون من التوقيع وهو كتابة الاسم في أسفل الكتاب.
[10] من معاني الندى: الجود، وما يسقط من بلل آخر الليل.
[11] من معاني الصدى: الظمأ، وما يجيبك بمثل صوتك.
[12] الذكي: سريع الفطنة أو ساطع الرائحة.
[13] هو جمال الدين حامل لواء الشعر والنثر في عصر المماليك، وله ديوان شعر مطبوع، ولد سنة 686 هـ. ومات سنة 868 هـ.
[14] الصدا بتسهيل الهمزة: وسخ الحديد ونحوه، والصدى: العطش.
[15] الجد: الحظ أو أبو الأب أو أبو الأم.
[16] عفا: صح، وعفا المنزل: زال أثره.
[17] قضى: مات أو حكم.
[18] الجفون: أغطية العيون أو أغماد السيوف.
[19] هو شمس الدولة الموصلي، صاحب النظم الحلو والنثر العذب والنكت الغريبة، وكان له دكان للكحل داخل باب الفتوح، مات بمصر سنة 710 هـ.







(2) الطِّباق
الأمثلة:
(1) قال تعالى: {وتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} [1] .
(2) وقال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الْمَالِ عَيْنٌ سَاهِرَة لِعَيْنٍ نَائمة" [2] .
* * *
(2) وقال تعالى: {يَسْتَخفُون مِنَ النَّاس وَلا يَسْتَخفُونَ مِنَ اللهِ}.
(4) وقال السموءَل:
وَنُنْكِرُ إِنْ شِئْنَا عَلَى النَّاس قَوْلَهُمْ وَلا يُنْكِرُونَ القَوْلَ حِينَ نَقُولُ [3]
البحث:
إِذا تأَملت الأمثلةَ المتقدمةَ، وجدت كلا منها مشتملاً على شيءٍ وضده، فالمثال الأول مشتمل على الكلمتين: "أيقاظاً" و "رقود" والمثال الثاني مشتمل على الكلمتين: "ساهر" و "نائمة".
أما المثالان الأَخيران فكل منهما مشتمل على فعلين من مادة واحدة أَحدهما إيجابي والآخر سَلبي، وباختلافهما في الإيجاب والسلب صارا ضدين، ويسمى الجمع بين الشيءِ وضده في الأَمثلة المتقدّمة وأَشباهها طباقاً، غير أَنه في المثالين الأَولين يدعى "طباق الإيجاب" وفي المثالين الأخيرين يدعى "طباق السلب".
القَاعدة:
(72) الطِّباقُ الْجَمْعُ بَيْنَ الشَّيْءِ وضِدّه في الكلام، وهوَ نَوْعان:
(أ) طِبَاقُ الإيجاب، وَهُو ما لَمْ يَختَلِفْ فِيهِ الضدَّان إِيجَاباً وَسَلْباً.
(ب) طِباَقُ السَّلبِ، وَهُو ما اخْتَلَف فِيه الضِّدان إِيجَاباً وسَلْباً.
تمرينات
(1) بيِّن مواضع الطباق في الأمثلة الآتية، ووضح نوعه في كل مثال:
(1) قال تعالى:{أوَمَن كان مَيْتاً فأحْيَيْنَاهُ}.
(2) وقال دِعْبل الخُزاعيُّ:
لا تعجبي يا سلْمُ مِنْ رجُلٍ ضَحِكِ المشِيبُ برأسِهِ فَبكَى [4]
(3) وقال غيره:
على أنني راضٍ بأنْ أَحْمِلَ الهوَى وأَخْرُجَ مِنْهُ لاَ عليّ ولا لِياَ [5]
(4) وقال البحترى:
يُقَيِّضُ لِي مِنْ حيْثُ لا أَعْلَمُ النوى ويَسرى إِليَّ الشَّوق مِنْ حيْثُ أَعْلمُ [6]
(5) وقال المُقنَّع الكندِى [7] :
لهُمْ جلُّ مالي إِن تَتابع لي غِنًى وإِنْ قَلَّ مالي لَمْ أُكلَّفُهمُ رفْدا [8]
(6) وقال تعالى:
{ولكِنَّ أَكْثَر النَّاسِ لا يعْلَمُون} [9] . {يعْلَمُونَ ظَاهرًا مِنَ الْحياةِ الدُّنْيا} [10] .
(7) وقال تعالى:
{لَهاَ ما كَسبتْ وعلَيْها ما اكْتَسبتْ} [11] .
(8) وقال السموءَل بن عادياء:
سلِي إِن جهلْتِ النَّاس عنا وعنْهُمُ فَليْس سواءً عالم وجهُولُ [12]
(9) وقال الفرزدق يهجو بني كُلَيْب:
قبَّح الإلهُ بني كُلَيْبٍ إِنَّهمْ لا يغدِرونَ ولا يُفُونَ بِجَار [13]
(10) وقال أَبو صخْر الْهُذليّ [14] :
أَما والَّذي أَبْكَى وأَضْحكَ والذي أَماتَ وأَحْيا والذي أَمرُه الأَمرُ
لَقَدْ تَركَتْني أَحْسُد الوحْش أَنْ أَرى خَلِيليْن مِنْها لا يروعُهُما الذعْر [15]
(1) قال الحماسيُّ:
تأَخَّرْتُ أَسْتَبْقى الْحياةَ فَلَم أَجدْ لِنَفْسي حياةً مِثل أَنْ أَتَقَدّما [16]
(2) اقرأ ما كتبه ابن بطوطة [17] في وصف مصر وبيِّن جمال الطباق في أسلوبه:
هي مجْمعُ الوارد والصادر [18] ، ومحط رَحْل [19] الضعيف والقادر، بها ما شِئتَ من عالِم وجاهِل، وجادّ وهازل، وحليم وسفِيه، ووضيعِ ونبيه، وشريف ومشروف، ومُنْكَر ومعروف، تمُوج موْج البحر بسكَّانها، وتكاد تَضِيق بهم على سَعة مكانها.
(3) حول طباق الإيجاب في الأمثلة الآتية إلى طباق السلب:
(1) العدوُّ يُظهر السيئة ويُخْفى الحسنة.
(2) ليس من الحزم أن تُحسِن إِلى الناس وتسيءَ إِلى نَفْسك.
(3) لا يليق بالمُحْسن أن يُعْطى البعيد ويمْنَعَ القريب.
(4) حول طباق السلب في الأمثلة الآتية إلى طباق الإيجاب:
(1) يَعْلم الإنسانُ ما في اليوم والأمس، ولا يعلم ما يأتي به الغد.
(2) اللئيم يعْفُو عند العجز، ولا يعفو عند المقدرة.
(3) أحب الصدق ولا أحب الكذب.
(5) (1) مثل لكل من طباق الإيجاب وطباق السلب بمثالين من إنشائك.
(2) هات مثالين لطباق الإيجاب، ثم حولهما إلى طباق السلب.
(3) هات مثالين لطباق السلب، ثم حولهما إلى طباق الإيجاب.
(6) اشرح البيت الآتي، وبيِّن نوع الطباق به:
والشَّيْبُ ينهضُ في الشَّبابِ كأَنه لَيْلٌ يصِيحُ بجانِبيْهِ نَهَار [20]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أيقاظاً: جمع يقظ ككتف، ورقود: نيام، جمع راقد.
[2] يعنى أن خير المال عين ماء ينام صاحبها وهي تظل فائضة تسقى له أرضه.
[3] معنى الشطر الثاني أنهم لشد بأسهم يخشاهم الناس فلا ينكرون عليهم ما يقولون.
[4] سلم: مرخم سلمى اسم امرأة.
[5] في على معنى التضرر وفي اللام معنى الانتفاع، ومن هنا جاء الطباق بين الحرفين.
[6] يقول يقضى عليه بالبعاد فلا يدرى له سبباً، ويغلبه الشوق فيعرف مصدره ومبعثه.
[7] شاعر مقل من شعراء الإسلام في عهد بنى أمية، وكان له شرف ومروءة وسؤدد في عشيرته، وكان سمح اليد بماله لا يرد سائلاً، وإنما لقب بالمقنع لأنه كان أجمل الناس وجهاً. وكان يخشى إذا حسر اللثام عن وجهه أن تصيبه العين، ولذلك كان يمشى مقنع الوجه ملثما.
[8] الرفد: العطاء والصلة، يقول: إني إذا ازددت مالا ازددت لهم بذلا، وإن قل مالي لم أطلب منهم عطاء.
[9] أي لا يعلمون أمور الآخرة.
[10] أي يعلمون أمور الدنيا الظاهرة.
[11] أي للنفس ثواب ما كسبته من الطاعات، وعليها عقاب ما اقترفته من المعاصي.
[12] يقول: إن كنت جاهلة حالنا فسلي الناس عنا يخبروك، فليس العالم كالجاهل.
[13] يذم بني كليب بأنهم ضعاف لا يستطيعون الغدر بأحد، ويذمهم بأنهم لا يفون بحقوق الجار.
[14] أحد بني هذيل وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، وكان مواليا لبني مروان متعصباً لهم وله في عبد الملك مدائح.
[15] راعه: أفزعه، والذعر: الخوف، يقول في البيتين: أقسم بمن بيده الحزن والسرور والإماتة والإحياء، لقد جعلتني الحبيبة في حال إذا تأملت معها الوحوش وهي تأتلف في مراعيها تمنيت أن أكون مثلها في تألفها، لأني أرى كل أليفين منها آمنين لا يفزعهما خوف من الوشاة والرقباء.
[16] يقول: إنه تأخر عن القتال إبقاء على حياته، فرأى أن الإقدام أحفظ لحياته وأبقى لها لأنه يدفع الأعداء عن نفسه ويقتلهم قبل أن يقتلوه.
[17] رحالة مشهور، ولد بطنجة سنة 703 هـ، وسافر إلى مصر والعراق والشام واليمن والهند والصين وغيرها من الأقطار الشرقية، ثم رجع إلى المغرب وأخذ يملى رحلته المسماة (تحفة النظار في غرائب الأمصار) وقد ترجمت إلى كثير من اللغات الأوربية، وتوفى سنة 779 هـ.
[18] محل اجتماع من يأتي إليها ومن ينزح عنها.
[19] الرحل: ما يجعل على ظهر البعير للركوب.
[20] البيت للفرزدق، والمراد بالشباب هنا الشعر الأسود.






(3) المقابلة
الأمثلة:
(1) قال صلى الله عليه وسلم للأنصار:
"إِنكم لَتَكْثُرُونَ عِنْدَ الْفَزَع، وتَقِلُّونَ عِنْدَ الطَّمَع".
(2) وقال خالد بنُ صَفْوَانَ يَصِفُ رَجُلاً:
لَيْسَ له صديقٌ في السِّر، وَلا عَدُوٌّ في الْعلانِيَةِ.
* * *
(3) قال بعض الخلفاء: مَنْ أقْعَدَتْه نِكايَةُ اللِّئام، أَقَامَتهُ إعانةُ الكِرام.
(4) وقال عبد الملك بن مَرْوان [1] : مَا حَمِدْتُ نَفْسي عَلَى محبوب ابتدأْتُه بعَجْزٍ، ولا لُمْتهَا عَلَى مكروه ابتدأْتُه بحزم.
البحث:
إذا تأملت مثاليْ الطائفة الأولى وجدت كل مثال منهما يشتمل في صدره على معنيين، ويشتمل في عجزه على ما يقابل هذين المعنيين على الترتيب، ففي المثال الأَول بيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم صِفتين من صفات الأَنصار في صدر الكلام وهما الكثرة والفزع، ثم قابل ذلك في آخر الكلام بالقلة والطمع على الترتيب، وفي المثال الثاني قابل خالد بن صفوان الصديق السرّ بالعدو والعلانية.
انظر مثالي الطائفة الثانية تجد كلاًّ منهما مشتملاً في صدره على أكثر من معنيين، ومشتملاً في العجز على ما يقابل ذلك على الترتيب، وأداءُ الكلام على هذا النحو يسمى مقابلة.
والمقابلة في الكلام من أَسباب حسنه وإيضاح معانيه، على شرط أَن تتاح للمتكلم عفوًا، وأَما إِذا تكلفها وجرى وراءها، فإنها تعتقل المعاني وتحسبها، وتحرم الكلام رونق السلاسة والسهولة.
القاعدة
(73) الْمُقَابَلَة أنْ يُؤْتَى بِمَعْنَيَيْن أوْ أكْثَرَ، ثم يُؤْتَى بمَا يُقَابلُ ذَلِكَ عَلَى التَّرتِيب.
تمرينات
(1) بيِّن مواقع المقابلة فيما يأْتي.
(1) روَت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"عليك بالرِّفق يا عائشة، فإنه ما كان في شيءٍ إلا زانه ولا نُزع من شيءٍ إِلا شانه".
(2) وقال بعض البلغاء: كدرُ الجماعة خيْرٌ من صفْو الفُرْقَة.
(3) وقال تعالى: {يُحِلُّ لهُمُ الطِّيِّباتِ ويُحَرِّمُ علَيْهِمُ الخَبائث}.
(4) وقال جرير:
وباسِطُ خَيْرٍ فِيكُمُ بيمِينهِ وقَابضُ شَرٍّ عنْكُمُ بشِمالهِ
(5) وقال البحتري:
فإذا حاربُوا أَذَلُّوا عزِيزًا وإِذا سالَمُوا أَعَزُّوا ذليلا
(6) وقال الشريف:
ومنْظَرِ كان بالسَّرَّاء يُضْحِكُني يا قُرْب ما عادَ بالضراء يُبْكيني
(7) وقال تعالى: {لِكَيْلا تَأْسوْا على ما فاتكم ولا تَفْرحُوا بما آتَاكم}.
(8) وقال تعالى: {باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمةُ وظَاهِرُه مِنْ قِبَلِهِ العذابُ}.
(9) وقال النابغة الجعدىُّ:
فَتًى كانَ فِيه مَا يَسُرُّ صَدِيقَهُ على أن فِيهِ مَا يَسُوء الأعَاديَا
(10) وقال أبو تمام:
يَا أمَّةً كانَ قُبْحُ الجوْر يُسْخِطها دهْرًا فأصْبَحَ حُسْن العَدْل يُرْضِيها
(11) وقال أيضاً:
قَدْ يُنْعِم اللهُ بالبلوَى وإِنْ عظُمتْ ويبْتَلِى اللهُ بعضَ القَوْم بالنّعم
(12) وقال تعالى:
{ فأَمَّا منْ أَعْطَى وَاتَّقَى وصدَّعَ بالْحُسْنَى فَسنُيسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وأَمَّا مَنْ بخِلَ واسْتَغْنى وكذّب بالحُسْنى فَسنُيسِّره لِلْعُسْرى}.
(13) وقال المعرىّ:
يا دهْرُ يا مُنجزَ إِيعادِهِ ومُخْلِفَ المأْمول مِنْ وعْدِه
(2) ميِّز الطباق من المقابلة فيما يأْتي:
(1) {فأولئك يُبَدِّلُ اللهُ سيِّئَاتِهمُ حسنات}.
(2) وقال تعالى: {وَأنََّه هُوَ أضْحكَ وأبْكَى وَأنهْ هُوَ أمَاتَ وأَحْيَا}.
(3) وقال تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ الله أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَح صَدْرهُ للإسْلامِ ومَنْ يُردْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْره ضَيِّقاً حَرَجاً}
(4) وقال أبو الطيب:
أزُورُهُمْ وسوادُ اللَّيْلِ يشْفَعُ لى وأنْثَنِى وبيَاضُ الصُّبْحِ يُغرِى بى
(5) الكريم واسع المغفرة، إِذا ضاقت. المعْذِرة.
(6) غَضَبُ الجاهِل في قَوْله، وغَضبُ العاقل في فِعْله.
(7) وقال المنصور: لا تخرجوا من عزِّ الطاعة إِلى ذلِّ المعصية.
(8) لَئِنْ ساءَني أنْ نِلتِنى بِمَساءَةٍ لَقَدْ سَرَّني أنِّي خَطَرْتُ ببالِكِ
(9) و قال النابغة:
وإن هبطَا سهلاً أثارَا عَجاجَةً وإِنْ علَوا حزْناً تَشَظَّتْ جنَادِلُ [2]
(10) قال أوْس بن حَجر:
أطَعْنَا رَبنَا وعصاه قَوْمٌ فذُقْنا طَعْمَ طَاعَتنَا وذَاقُوا
(3) إيت بمقابل الأَلفاظ الآتية، ثم كون منها ومن أَضدادها بعض أَمثلة للطباق، وبعض أَمثلة أُخرى للمقابلة:
قدَّم. الليل. الصحة. الحياة. الخير. المنع. الغنى.
(4) (1) هات مثالين للمقابلة تُقابل في كل منهما معنيين بآخرين.
(2) " " " " " " " ثلاثة معان بثلاثة أُخرى.
(5) اشرح البيت الآتي، وهل ترى أن الشاعر وُفق فيه إلى المقابلة؟
لِمنْ تطْلُبُ الدنْيا إذَا لَمْ تُرِدْ بِهَا سُرُورَ مُحِبٍّ أوْ إساءَةَ مُجْرِمِ
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ملك من أعاظم ملوك بنى أمية ودهاتها، انتقلت إليه الخلافة بموت أبيه سنة 65 هـ فضبط أمورها، ونقلت في أيامه الدواوين من الفارسية والرومية إلى العربية، وهو أول من صك الدنانير في الإسلام، وكان واسع العلم والمعرفة، توفى سنة 86 هـ.
[2] تشظت جنادل: تكسرت حجارة.






(4) حسن التعليل
الأمثلة:
(1) قال المعرى في الرثاء:
وَمَا كُلْفَةُ الْبَدْر الْمُنِيرِ قَدِيمَةً وَلَكِنَّهَا فِي وَجْههِ أَثَرُ اللَّطم [1]
(2) وقل ابن الرومي:
أَما ذُكاءُ فَلمْ تَصْفَرَّ إذْ جَنَحَتْ إلا لِفُرْقَةِ ذَاكَ الْمَنْظَر الْحَسَن
(3) وقال آخر في قِلَّةِ المطر بمصر:
مَا قَصَّرَ الغيثُ عَنْ مِصْر وتُرْبَتِهَا طَبْعاً وَلَكنْ تَعَدَّاكم منَ الخَجَل
البحث:
يرْثي أبو العلاء في البيت الأَول، ويبالغ في أن الحزن على المرثي شَمِل كثيرًا من مظاهر الكون، فهو لذلك يدّعى أَن كلفةَ البدر وهي ما يظهر على وجهه من كدْرة، ليست ناشئة عن سبب طبيعي، وإِنما هي حادثة من اللطم على فراق المرثي.
ويرىَ ابن الرومي في البيت الثاني أَن الشمس، لم تَصفَرَّ عند الجنوح إلى المغيب للسبب الكوني المعرون عند العلماء، ولكنها اصفرت مخافة أن تفارق وجه الممدوح، وينكر الشاعر في البيت الثالث الأسباب الطبيعية لقلة المطر بمصر، ويتلمس لذلك سبباً آخر هو أن المطر يخجل أن ينزل بأَرض يعمُّها فضلُ الممدوح وجوده، لأَنه لا يستطيع مباراته في الجود والعطاء.
فأَنت ترى في كل مثال من الأَمثلة السابقة أن الشاعر أَنكر سبب الشيء المعروف والتجأَ إلى علة ابتكرها تناسب الغرض الذي يرمى إليه، ويسمى هذا الأُسلوب من الكلام حسن التعليل
القاعدة:
(74) حُسنُ التَّعْلِيل أنْ يُنْكِرَ الأَديبُ صَرَاحَةً أوْ ضِمْناً عِلَّةَ الشَّيْءِ الْمَعْرُوفَةَ، وَيَأْتي بعلَّةٍ أَدَبيَّة طَريفَة تُنَاسِبُ الغَرَضَ الَّذِي يَقْصِدُ إِلَيْهِ.ً
تمرينات
(1) وضح حُسْن التعليل في الأَبيات الآتية.
(1) قال ابن نباتة:
لمْ يزَلْ جْودُه يجُورُ على الْمال إِلى أَن كَسا النُّضَارَ اصْفِرارا
(2) وقال شاعر يمدح ويُعلل لزلزَال حدث بمصر.
ما زُلزلَتْ مِصْرُ مِن كَيْدٍ يُرادُ بِها وإنما رقَصتْ من عِدْلِهِ طَربا
(3) أرى بدْرَ السَّمَاء يلوحُ حيناً ويبْدُو ثمَّ يلْتحِفُ السَّحابا
وذَاكَ لأنَّه لمَّا تَبدَّى وأبْصَر وجْهَكَ استَحْيا وغابا
(4) وقيل في وصف فرس أدْهم ذِي غرَّة [2] :
وأدْهم كالغُراب سَواد لوْنٍ يَطِيرُ مَع الرِّياح ولاَ جنَاحُ
كَساهُ اللَّيْل شملتَهُ وولَّى فَقَبَّل بيْن عيْنَيهِ الصَّباحُ [3]
(5) وقال ابن نُباتة السعدي في فرس محجَّل [4] ذى غُرة:
وأَدْهَم يستَمِدُّ اللّيلُ مِنْهُ وتَطْلُعُ بيْنَ عيْنيْهِ الثّريَّا [5]
سرى خَلْف الصَّباح يطِيرُ زَهْوًا ويَطْوي خَلْفَهُ الأَفلاَكَ طيَّا [6]
فلما خَاف وشْكَ الْفَوْتِ مِنْهُ تَشَبَّث بالْقَوائِمِ والمُحيَّا [7]
(6) وقال الأُرَّجانىّ:
أبْدى صنِيعُك تَقصير الزَّمان ففي وقت الرَّبيع طُلوعُ الورْدِ مِن خَجَل
(7) وقال بعضهم يرثى كاتبا:
اسْتَشْعر الكُتَّابُ فَقْدَكَ سالِفاً وقَضَتْ بصِحةِ ذَلِكَ الأيامُ
فَلِذَاكَ سُوِّدتِ الدُّوِىُّ كآبة أسفاً علَيْكَ وشُقَّتِ الأقلامُ
(8) وقال آخرُ
سبقَتْ إلَيْكَ مِنَ الحدائق وَرْدةٌ وأتَتكَ قَبْل أوانها تَطْفِيلا [8]
طَمِعتْ بلَثْمِكَ إِذْ رأَتْك فجمَّعتْ فَمهَا إِلَيْكَ كَطَالِب تَقبيلاَ
(9) لاَ يطْلُع البدْرُ إِلاَّ مِنْ تَشَوُّقِهِ إليك حتَى يوافى وجْهَكَ النضرا
(10) بكت فَقدكَ الدُّنْيا قَدِيماً بدمْعِها فكان لها في سالِفِ الدَّهْرطُوْفان [9]
(2) علل لما يأْتي بعلل أَدبية طريفة:
(1) دُنُوّ السحاب من الأرض. (3) كُسوف ا لشمس.
(2) احتراق دار غابَ عنها أَهلوها. (4) نزول المطر في يوم مات فيه عظيم.
(3) مثل بمثاليين من إنشائك لحسن التعليل.
(4)اشرح البيتين الآتيين، وبيِّن ما فيهما من حسن التعليل، وهما لأَبي الطيب في المدح:
ألَسْتَ ابنَ الأُلَى سعدُوا وسادوا ولَمْ يلِدُوا امْرأً إِلا نَجيبا
وما ريحُ الرِّياض لَهَا ولكِن كَساها دفنُهم في التّرْب طيبا
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الكلفة: كدرة تعلو الوجه.
[2] الأدهم: الأسود، والغرة: بياض في جبهة الفرس.
[3] الشملة: ثوب يتلفف به.
[4] التحجيل: بياض في قوائمُ الفرس.
[5] يقول: إن الفرس لشدة سواده يستعير الليل لونه، ويشبه الشاعر غرة الفرس بالثريا.
[6] الزهو: الكبر والفخر، والأفلاك: جمع فلك وهو مدار النجوم.
[7] وشك الفوت: سرعته، والتشبث: التعلق، يقول: إن الصباح لما خاف أن يسبقه الفرس تعلق بقوائمه ووجهه ليمنعه السبق.
[8] أتتك تطفيلا: أتتك بلا دعوة منك.
[9] الطوفان: المطر الغالب والماء الغالب يغشى كل شيء، يريد الشاعر الطوفان الذى حدث في زمن نوح عليه السلام.





تأَكيدُ المدح بما يُشْبهُ الذَّم وعَكسُه
الأمثلة:
(1) قال ابن الروميّ:
لَيْسَ بهِ عَيْبٌ سِوَى أنَّهُ لا تَقَعُ الْعَيْنُ عَلَى شِبْهه
(2) وقال آخر:
ولا عَيْبَ فِي مَعْروفهم غَيْرَ أِنَّهُ يُبَيِّنُ عَجْزَ الشَّاكِرينَ عَنِ الشُّكْرِ
* * *
(3) وقال صلى الله عله يسلم: "أَنَا أفْصَحُ الْعَرَبِ بَيْدَ أنِّي من قُرَيْشٍ".
(4) وقال النابغة الجَعْدِي:
فتًى كَمُلَتْ أَخْلاقُهُ غَيْرَ أَنَّهُ جَوَادٌ فَمَا يُبْقى عَلَى الْمال بَاقيَا
البحث:
لا أظنك تتردد في أن الأمثلة السابقة جميعها تفيد المدح ولكنها وُضعت في أُسلوب غريب لم تَعْهَدْه، ولذلك نرى أن نشرحه لك.
صدَّر ابن الرومي في المثال الأول كلامه بنفي العيب عامة عن ممدوحه، ثم أتى بعد ذلك بأَداة استثناء هي "سوى" فسبق إلى وهم السامع أَن هناك عيباً في الممدوح، وأَن ابن الرمي سيكون جريئاً في مصارحته به، ولكن السامع لم يلبث أَن وجد بعد أَداة الاستثناء صفةَ مدح، فراعه هذا الأسلوب، ووجد أن ابن الرومي خدعه فلم يذكر عيباً، بل أكّد المدح الأول في صورة توهم الذم، ومثل ذلك يقال في المثال الثاني.
انظر إلى المثال الثالث تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف نفسه بصفة ممدوحة وهي أنه أفصح العرب، ولكنه أتى بعدها بأَداة استثناء فدهِش السامع: وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم سيذكر بعدها صفةً غير محبوبة. ولكن سرْعان ما هدأَت نفسه حين وجد صفة ممدوحة بعد أَداة الاستثناء، وهي أَنه من قريش، وقريش أَفصح العرب غير منازَعين. فكان ذلك توكيدًا للمدح الأول في أُسلوب أَلف الناس سماعه في الذِّم، وكذلك يقال في المثال الأَخير. ويسمى هذا الأسلوب في جميع الأمثلة المتقدمة وما جاءَ على شاكلتها تأكيد المدح بما يشبه الذّم.
وهناك أسلوبٌ لتوكيد الذم بما يشبه المدح وهو كالأسلوب السابق، له صورتان: فالأولى نحو: لا جمال في الخطبة إِلا أَنها طويلة في غير فائدة، والثانية نحو: القوم شِحاحٌ إلا أَنهم جُبناء.
القواعد:
(75) تَأْكِيدُ الْمَدْحِ بما يُشْبهُ الذمّ ضربان:
(1) أنْ يُسْتَثنَى مِنْ صِفَة ذَمٍّ مَنْفِيَّةٍ صِفَةُ مَدْح
(ب) أَن يُثْبَتَ لِشَيءٍ صِفَةُ مَدْحٍ، ويُؤتَى بَعْدَها بأدَاةِ اسْتِثْنَاءٍ تَلِيهَا صِفَةُ مَدْح أخْرَى [1].
(76) تأْكِيدُ الذَّمّ بما يُشْبهُ المدحَ ضربان.
(أ) أن يُسْتَثْنَى مِن صِفَةِ مَدْحٍ مَنْفِيَّةٍ صِفَةُ ذَمٍّ.
(ب) أنْ يُثْبَتَ لِشَيْءٍ صِفَةُ ذَمٍّ، ثُمَّ يُؤْتَى بَعْدهَا بأَدَاةِ اسْتِثْناءٍ تَلِيهَا صِفَةُ ذَمٍّ أُخْرَى.
تمرينات
(1) اشرح ما في الأَمثلة الآتية من تأْكيد المدح بما يشبه الذم، وبيِّن ضربه:
(1) قال ابنُ نُباتة المِصْرىّ:
ولاَ عيْبَ فِيهِ غَيْر أنّى قَصدْتُهُ فَأَنْستنِـيَ الأَيَّامُ أهلاً وموْطِنَا
(2) وُجُوهٌ كأَزْهار الرّياض نَضَارةً ولَكِنَّها يوم الهياجِ صُخُورُ
(3) ولا عيْب فِيكُمْ غيْر أَنَّ ضُيُوفَكُم تُعابُ بنِسْيان الأَحِبةِ والوطَنْ
(4) هم فرْسان الكلام إِلا أَنهم سادة أمجاد.
(2) اِشرح ما في الأَمثلة الآتية من تأْكيد الذم بما يشبه المدح، وبيِّن ضربه:
(1) لا فضل للقوم إِلا أَنهم لا يعرفون للجار حقَّه.
(2) الكلام كثير التعقيد سِوَى أَنه مبتَذَلُ المعاني.
(3) لا حُسْن في المنزل إلَّا أنه مُظْلم ضيق الحجرات.
(3) بيِّن ما في الأمثلة الآتية من تأْكيد المدح بما يشبه الذّم وعكسِهِ:
(1) قال صفىُّ الدِّين الحلّي [2] :
لاَ عيْب فِيهم سِوى أَنَّ النزيلَ بِهم يسْلُو عَنِ الأهْل والأوْطَان والحَشم
(2) لا خير في هؤلاء القوم إِلا أَنهم يعيبون زمانَهم والعيبُ فيهم.
(3) ولاَ عيْبَ فِيهِ لامرئٍ غَيْر أنَّهُ تُعابُ لهُ الدُّنْيا ولَيْس يُعابُ
(4) هو بذئُ اللسان غير أن صدره مَجمَعُ الأضْغان.
(5) تُعَدُّ ذُنوبي عِنْد قَومٍ كَثِيرةً ولاَ ذَنْبَ لِي إِلا العُلا والفَضائِلُ
(6) لا عزة لهم بين العشائر غير أن جارهم ذليل.
(7) الجاهل عدوُّ نَفْسِهِ لكنَّهُ صديق السفهاءِ.
(8) لا عيب في الروض إِلا أَنه عليل النسيم.
(4) (1) اِمدح كتاباً قرأته وأكِّد المدح بما يشبه الذم
(2) اِمدح بلدًا زرتَه " " " " "
(3) ذُم طريقاً سلَكْتَها،أكد الذم بما يشبه المدح.
(5) اشرح البيتين الآتيين، وبين في أُسلوبهما تأكيد المدح بما يشبه الذم:
مدحْتُكُم بمديحٍ لَوْ مدحْتُ بهِ بحْرَ الجحاز لأغْنَتْني جواهِرُهُ [3]
(2) لاَ عَيْبَ لي غَيْرَ أنّي مِنْ ديَارِكُم وزَامِرُ الحيِّ لَمْ تُطرِبُ مَزَامِرُه
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ومثل أداة الاستثناء في ذلك أداة الاستدراك.
[2] شاعر الجزيرة، ولد ونشأ في الحلة "بين الكوفة وبغداد" ثم تأدب ونظم الشعر وأجاده، وهو من أئمة البديع المغالين في استعماله بلا كثير تكلف، وله ديوان شعر، وتوفى ببغداد سنة 750 هـ.
[3] يريد ببحر الحجاز بحر عمان حيث يغاص على اللؤلؤ.






(7) أُسلوبُ الحكيم
الأمثلة:
(1) قال تعالى: {يَسْألُونَكَ عَن الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاس والحَجِّ}.
(2) وقال ابن حجاب [1] :
قالَ ثَقَّلْتُ إذْ أتَيْتُ مِرَارًا قُلْتُ ثقّلْتَ كاهلِي بالأيادي [2]
قالَ طَوَّلْتُ قُلْتُ أوْلَيْتَ طَوْلا قالَ أبْرَمْتُ قُلْتُ حَبْل وِدَادي [3]
البحث:
قد يخاطبك إنسان أو يسألك سائل عن أمر من الأمور فتجد من نفسك ميلا إلى الإعراض عن الخوض في موضوع الحديث أو الإجابة عن السؤال لأغراض كثيرة منها أن السائل أعجزُ من أن يفهم الجواب على الوجه الصحيح، وأنه يجْمُل به أن ينْصرف عنه إلى النظر فيما هو أنفع له وأجدى عليه، ومنها أنك تخالف محدثك في الرأي ولا تريد أن تجبهه برأيك فيه، وفي تلك الحال وأمثالها تَصرفه في شيءٍ من اللباقة عن الموضوع الذي هو فيه إلى ضرب من الحديث تراه أجدر وأولى.
اُنظر إلى المثال الأول تجد أن أصحاب الرسول صلى الله عليه يسلم سألوه عن الأَهلة، لِمَ تبْدو صغيرةً ثمْ تزداد حتى يتكامل نورها ثم تتضاءل حتى لا تُرى، وهذه مسألة من مسائل علم الفلك يُحتاج في فهمها إِلى دراسة دقيقة طويلة فَصرفهم القرآن الكريم عن هذا ببيان أن الأهلة وسائِل للتوْقيت في المعاملات والعبادات؛ إِشارة منه إلى أن الأَولى بهم أن يسألوه عن هذا: وإِلى أَنَّ البحث في العلوم يجب أن يُرْجأَ قليلاً حتى تتوطد الدول وتَسْتَقِرَّ صخرة الإِسلام.
وصاحبُ ابن حجاج في المثال الثاني يقول له قد ثقَّلْتُ عليك بكثرة زياراتي فيصرفه عن رأيه في أدب وظُرْف وينقل كلمته من معناها إلى معنى آخر. ويقول له: إنك ثقَّلتَ كاهلي مما أَغدقت علىَّ من نِعم ومثل ذلك يقال في البيت الثاني، وهذا النوع من البديع يسمى: أُسلوب الحكيم.
القاعدة:
(77) أُسْلوبُ الحكيمِ تَلَقِّى الْمُخَاطَبِ بغِير ما يَتَرَقَّبُهُ، إِمَّا بتَرْكِ سؤالهِ والإِجابةِ عن سؤالٍ لم يَسْأَلْهُ، وإِمَّا بحَمْلِ كلامِهِ عَلَى غير ما كانَ يَقْصِدُ، إِشارَةً إلى أَنَّهُ كان يَنْبَغي له أَن يَسْأَلَ هذا السؤال أَوْ يَقْصِدَ هذا الْمَعْنَى.
تمرينات
(1) بيِّن كيف جاءَ الكلام على أسلوب الحكيم في الأَمثلة الآتية:
(1) ولقد أَتيتُ لصاحبي وسألته في قرْض دِينار لأَمر كانا
فأَجابني والله دارِى ما حوت عيْناً فقلْتُ له ولا إنساناً [4]
(2) قيل لشيخ هَرِم: كم سِنك؟ فقال: إِني أَنْعَمُ بالعافية.
(3) قيل لرجل: ما الغنى؟ فقال: الجود أَن تجودَ بالموجود.
(4) سئل غريبٌ عن دينه واعتقاده، فقال: أُحِبُّ للناس ما أحِبُّ لنفسي.
(5) قيل لتاجر: كم رأْس مالك؟ فقال: إِني أَمِينٌ وثقَةُ الناس بي عظيمة.
(6) قال الحجَّاج للمهلَّب: أنا أَطول أَم أَنت؟ فقال: أنْت أَطولُ [5] وأنا أبْسط قامة.
(7) سئل أحد العمَّال ما ادخرتَ من المال؟ فقال: لا شيء يعادل الصحة.
(8) دخل سيد بن أنسٍ على المأمون فقال له المأمون: أنْت السَّيِّد، فقال: أَنتَ السيد وأَنا ابن أَنس.
(9) طلبتُ مِنه دِرْهماً يوْماً فاظْهَر الْعجَبْ
وقال ذَا مِنْ فِضَّةٍ يُصْنعُ لا مِنَ الذَّهبْ
(10) قال تعالى: {ويسْأَلونَك ماذا يُنْفِقُون، قُلْ ما أنْفَقْتُم مِنْ خَيْرٍ فللوالِدَين والأَقْربين واليتامىَ والْمساكِينِ وابنِ السبيل}.
(11) لمَّا توجه خالد بن الوليد لفتح الحيرةِ أتى إليه من قِبَل أهلها رجل ذو تجربة، فقال له خالد: فيم أنت؟ قال: في ثيابي فقال: علام أنت؟ فأجاب: على الأَرض؛ فقال: كم سِنك؟ قال: اثنتان وثلاثون، فقال أسأَلك عن شيءٍ وتجيببي بغيره ؟ فقال: إِنما أَجبتُ عما سأَلتَ.
(12) ولمَّا نَعَى الناعِي سأَلناه خشْيةً وللعيْن خوف البيْن تَسكابُ أمطار
أَجاب قضى! قلنا قَضى حاجةَ العُلاَ فقال مضَى ! قلنا بكل فَخار [6]
(2) إِذَا سُئِلْت الأَسئلة الآتية وأردت أن تتَّبع أُسلوب الحكيم فكيف تجيب؟
(1) ما دخْلُ أبيك؟. (3) ما ثمنُ هذه الحُلَّة ؟
(2) أين منزلك؟ (4) كم سنة قَضيت في التعليم الثانوي؟
(3) كون مثالين من إنشائك تجرى فيهما على أسلوب الحكيم.
(4) اشرح البيتين الآتيين وبيِّن النوع البديعي الذي فيهما:
جاءَني ابْني يوْماً وكنتُ أَراهُ لِي ريْحانَة ومصْدرَ أُنْسِ
قال ما الروح؟ قُلتُ إِنك رُوحي قال ما النفْسُ؟ قلتُ إنك نفسي
--------------------------------------------------------------------------------
[1] هو أبو عبد الله بن أحمد البغدادي، شاعر فكه مقتدر على المعاني التي يديرها، كثير الهزل والفحش في شعره وله ديوان شعر كبير، توفى سنة 391 هـ.
[2] الكاهل: ما بين الكتفين.
[3] طولت: أطلت الإقامة، والطول: التفضل والإحسان، أبرمت من معانيها: أمللت، ومن معانيها أحكمت فتل الحبل.
[4] العين: الذهب والباصرة، والإنسان قد يراد به إنسان العين وقد يراد به أحد بني آدم.
[5] من معاني أطول أنها اسم تفضيل من الطول ضد القصر؛ وأنها اسم تفضيل من الطَّول بمعنى التفضيل.
[6] قضى من معانيها مات، وأدى، ومضى من معانيها مات؛ ومضى بكذا ذهب به واختص.











  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق